Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم عزت اندراوس

 القرآن والأناجيل المنحولة

إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس هناك تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات 

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
القرآن وإنجيل الطفولة

 

 

كثير مما جاء فى القرآن عن مريم والسيد المسيح ورد فى كتب مؤلفة أسماها المسيحيين الكتب المنحولة apocrypha

http://www.coptichistory.org/new_page_4045.htm يمكنك الإطلاع على أسماء الأناجيل المنحولة أى المنسوبة بالتزوير للأناجيل وهى كتب المؤلفة وغير معترف بها ماهى الأناجيل الباطنية المنحولة؟ ولماذا سميت بالأناجيل المنحولة؟ وأسباب رفضها من الكنيسة

والكنائس المسيحية شرقاً وغربا فى العالم كلة لا تعترف بهذه الكتب المؤلفة المسماه خطأ بالأناجيل وقد جاء فى القرآن كلمة إنجيل ولم يحدد كاتبها لهذا أكد الباحثون والدارسون والمستشرقون أن القرآن أخذ من هذه الأناجيل المنحولة (الباطنية) المؤلفة ووضعها كأحداث حدثت فعلاً فى صورة عربية نثرية وحتى يحمى نفسه أكد القرآن عدم البحث حتى لا ينكشف أمر نقله أحداث مؤلفة فى الأناجيل المنحولة (الباطنية)  فى عيارة قال فيها : " [ياأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبدوا لكم تسوءكم]المائدة101

 

قصص القرآن المأخوذة من الأناجيل المنحولة

يمكن تقسيم المادّة القرآنيّة عن المسيح إلى أربعة أقسام.

(1) قصص عن ولادته وطفولته،

(2) عجائبه،

(3) حوارات بينه وبين الله، أو بينه وبين بني إسرائيل،

و(4) كلام إلهي يؤكّد أنّه بشر وعبد من عباد لله ويعرّف مكانته بين أنبياء الله ويهدف للتشديد على ضرورة نبذ الغلو في الإيمان به. ففيما يخص القسمين الأوّلين

 ليس هناك ما يدعو للشك أن القصص الواردة فيها تشبه كثيراً قصص الأناجيل المنحولة وتلك التي في الأدبيّات السريانيّة والقبطيّة والأثيوبيّة. فولادته من العذراء - والتي في القرآن حدثت تحت جذع النخلة (سورة مريم 19: 23) - والكلمات التي يقولها وهو رضيع في المهد هي آيات تشير إلى النعمة الإلهيّة المعطاة له ولوالدته. أمّا عجائبه فهي غير مرويّة بإسهاب، بقدر ما هي مذكورة فقط للتذكير بالقوّة التي جعلها الله فيه لشفاء المرضى وإحياء الموتى. فعلى عكس الأناجيل، يميل القرآن إلى التركيز على ولادته المباركة أكثر من آلامه في أيامه الأخيرة. لذلك نجد الإشارة إليه بشكل شبه متواصل بعبارة "ابن مريم"، وكثيراً ما نجده إلى جانب أمه. فهي بجانبه تؤكّد ولادته العجائبيّة. أما "موته" فهو أمر لا يقل عن هذا عجائبيةً إذ يرفعه الله إليه، حيث وفقاً للمعتقد الإسلامي لا يزال ينتظر تكملة دوره مع قرب نهاية العالم، وهو الدور المشار إليه بغموض في القرآن (سورة مريم 19: 33 وسورة الزخرف 43: 61). ويصف القرآن أيضاً المسيح بأنّه آية بحدّ ذاته، أي برهان على قدرة الله. وعلى الرغم من أنّ أنبياء آخرين لهم أيضاً هذه الصفة في القرآن وعندهم القدرة على إحداث المعجزات، لكن المسيح وحده يخلق إشكاليّة في القرآن، الهدف منها تثبيت الحقيقة النهائيّة عن شخصه. أما طريقة كلامه والخطاب الإلهي عنه فتبدو وكأنها تحاكي تجربة النبيّ محمّد، وهي تبدو مدبّرة لتشير إلى أنّه مجرّد عبد من عباد الله. والمسيح نفسه لا يستهين بهذه الصفات أو بهذه الحقيقة. لا نجد الخطبة على الجبل ولا الأمثال ولا التعليمات عن الشريعة والروح، وبالتأكيد لا نجد شيئاً عن آلامه في أيامه الأخيرة. على العكس من ذلك، نجده بين تلاميذه الأتقياء المؤمنين به، ونجده متواضعاً جدّاً تجاه والدته، ونجده يحمل رسالة إلهيّة تثبت وحدانيّة الله وتؤكد ما سبقها من الرسائل. والعدد الأكبر من الإشارات القرآنيّة إلى المسيح يأتي في إطار تصريحات إلهيّة تتكلّم عنه وبالنيابة عنه، وهي تصريحات تذكّر المسيح نفسه وتذكّر البشريّة بأنّ الله هو الخالق الحقيقي ومقرّر حياة ومصير المسيح والبشريّة جمعاء. هنا إذاً نجد المسيح الصحيح "المطهّر" من "تحريفات" أتباعه، والنبيّ الوفيّ المطيع لخالقه. وهو بذلك يشكل بديلاً حقيقياً عن المسيح المصلوب وعن مسيح القيامة وعن مسيح الفداء. لكن اللهجة القرآنيّة ليست حادّة على الدوام. في الحقيقة، يتمّ مقاربة موضوع المسيح والمسيحيّين بطرق مختلفة. فهناك لهجة المصالحة، ولهجتا التطمين والدبلوماسيّة، وأيضاً لهجة الوعد والوعيد. وأبواب رحمة الله متروكة على الدوام مفتوحة. فمع كلّ شجب لناحية من نواحي "إلحاد" المسيحيّين، يُستثنى من ذلك "قلّة" منهم صحيحو الإيمان، والمشار إليهم في القرآن على أنّهم "الراسخون في العلم" (أنظر سورة النساء 4: 162) والأكثر حكمة. فتراث المسيح رقّة قلبه ورأفته وتواضعه، أما السلام عليه فيأتي على لسانه كما يلي: "والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أُبعث حيّاً" (سورة مريم 19: 33). يدعو القرآن النصارى باستمرار لمراجعة كتابهم المقدّس بخصوص النبوءة عن قدوم محمّد، فقد منح الله المسيح ميزة الإعلان عن هذا القدوم (سورة الصفّ 61: 6). لذلك فالعلاقة بين هذين النبيّين علاقة حميمة. والقرآن يصنّف النصارى على أنّهم أقرب الناس للمسلمين، "ذلك بأنّ منهم قسّيسين ورهباناً" (سورة المائدة 5: 82) نذروا أنفسهم لله، "وإذا سمعوا ما أُنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع" (سورة المائدة 5: 83) لمعرفتهم بأنّه الحقّ. وحصيلة الأمر أنّه من الصعب الاستنتاج من هذه الصور المتناقضة خلاصة واحدة، أو الإتيان بوصفة تلخّص جوهر صورة المسيح في القرآن. وهناك في الإطار العام بعض الاستمراريّة بين القرآن من جهة وعدد من أسفار العهدين القديم والجديد، الأصيلة والمنحولة، من جهة أخرى. إن قراءة دقيقة للقرآن مبنية على الاعتناء بهيكليّته وصياغته قد تشير إلى أنّه أُنزل في محيط مليء بالنقاش والمحاججة، وأنّه كتاب يجاهد ليثبت سيادته في خضمّ تهكّم واستهزاء المشركين وتشدّق المجتمعات الدينيّة المتنازعة. فالإله هو دوماً رحيم، يقول القرآن، لكن الكثير من الضرر قد حصل نتيجة الجهل الديني والغلوّ، وحدث الكثير من الأذى من جانب الدجّالين والمنافقين. "وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً"(سورة الكهف 18: 54)، وهو حكم يؤكّده القرآن من خلال تدخّله لفضّ النقاش الإنساني الذي ليس له نهاية في بعض المواضيع ويترك الباقي لله، ولتلقين المؤمن درساً في ما يجب قوله للردّ على تعيير وتحدّي الأعداء له. وأتباع المسيح المشار إليهم في القرآن هم مَثَل بارز لميل الإنسان نحو التحريف والمبالغة في الرسالة الواحدة التي أوحاها الله إلى أنبيائه أجمعين. مسيح القرآن هو حجّة على أتباعه الضّالّين هدفها إقناع الصادق منهم وإخافة غير التائب. لذا ومن هذا المنظور بالذات فهو لا يشترك بشيء تقريباً مع مسيح الأناجيل، الصحيحة منها والمنحولة. فالصورة القرآنيّة تحمل رسالتها الخاصّة والمصحِّحَة التي هدفها تقليم وتصويب وإعادة ترتيب وحي سابق انتهى إلى تشرذم وتخاصم أتباعه. والمسيح القرآني نجد ما يقابله في المسيحيّة "المستقيمة" orthodox وكذلك في المسيحيّة "غير المستقيمة" un-orthodox والمصادر المنحولة. لكن بعد ذلك يأخذ حياة ودوراً بعيدين عنها، وهو الشيء الذي يحدث عندما ينبثق فكر ديني من فكر آخر. في دراسته عن كتاب Shepherd of Hermas وعلاقته بتقاليد قديمة، يستخدم العالم الشهير في علم الكتاب المقدّس مارتن ديبليوس Martin Dibelius مفردات تنطبق أيضاً على المسيح القرآني وتشعّباته الروحانيّة، مع الأخذ بالاعتبار الفارق بينهما. يقول ديبليوس: "ليس هناك من مبرّر لتفسير العلاقة القويّة بين هذا الكتاب والتقليد اليهودي أن نفترض أنّ مؤلّفه ينتمي إلى جماعة يهوديّة - مسيحيّة. فالعبارات الساميّة المألوفة المبنيّة على قراءة الكتاب المقدّس وعلى طقوس وعظات يهوديّة أخذها المسيحيّون اعتباراً من القرن الثاني للميلاد كإرث لهم. من هنا لا ينبغي لنا أن نعتبر أن كل وصيّ على هذا الإرث هو في الواقع نسيب للموصيّ". وعلى هذا المنوال فإن مسيح القرآن وصيّ على الإرث وليس نسيباً للموصي. المسيح في الانجيل الاسلامي فترة فجر الإسلام، أو الإسلام البدائي كما يُسمّى أحياناً، هي الآن أكثر المواضيع جدلاً في حقل الدراسات الإسلامية. ويدور هذا الجدل أساساً حول الرواية الإسلاميّة التقليديّة لنشوء الإسلام وتطوّر الفكر الإسلامي الديني. من جهة، غيّرت محاولات التحليل النقدي للنصّ القرآني والنتائج المتوصّل إليها الرواية التقليديّة عن تدوين القرآن وانتشاره وتجميعه في مصحف. من جهة أخرى، أظهرت بعض نظريّات وتقنيّات النقد الأدبي التي طُبّقت على الطبقة الأولى من مرويّات التراث الإسلامي وعلم التأريخ الجهد المستخدم من قبل الرواة المسلمين المتأخّرين في إعادة صياغة الأخبار الأصليّة وصهرها، لدرجة يستحيل معها في بعض الحالات معرفة الأصل. إذاّ، اجتاحت نظريّتا التحليل النقدي والنقد الأدبي المستخدمتان في دراسات الكتاب المقدّس حقل الدراسات الإسلاميّة، لكن النتائج في هذا الحقل متفاوتة. وفيما يخصّ مسيح الإنجيل الإسلامي فيبدو أنّه بدأ بالظهور في المئة والخمسين سنة الأولى من عمر الإسلام، لذا فهو ينتمي إلى فترة الإسلام "البدائي". يمكن اعتبار الفترة الأولى من العصر الإسلامي فترة الانفتاح على الآخر. فالفتوحات السريعة والدراماتيكيّة وفقاً لمقاييس العالم القديم وضعت المسلمين في حالة من الاتّصال المباشر مع حضارات متنوّعة جدّاً. فبعد نحو جيلين من وفاة النبيّ محمّد في سنة 632 للميلاد، نجد مراكز الجيش الإسلامي ومجموعات مسلمة منتشرة من إسبانيا، التي معظم سكّانها من الغوط الغربيّين المسيحيّين، وصولاً إلى أفغانستان، التي معظم أهلها في ذلك الوقت بوذيّون. كذلك هناك المسيحيّة واليهوديّة وتشعّباتهما في شمال إفريقيا وفي الشرق الأوسط، والسامريّون والصابئة والزردشتيّون في بلاد الشام والعراق وإيران. ونسأل: هل خرج الإسلام من رحم التاريخ كامل التطوّر كالإلهة أثينا التي خرجت بسلاحها الكامل من رأس الإله زيوس؟ الإجابة هي من دون شكّ النفي، فلا نظام الحكم ولا العلوم الشرعيّة والفقهيّة ولا العناصر المشكّلة للمعتقدات الإسلاميّة كانت في فترة الإسلام الأولى مفهومة ومزاولة على ذات الدرجة في جميع بلاد الفتوح الشاسعة. وفي ما يخصّ القرآن، ليس هناك من داعٍ للشكّ وذلك بالرغم من شكوك بعض المستشرقين بأنّه كان مجموعاً في نصف القرن الأوّل من عمر الإسلام في نسخة شبيهة إلى حدّ بعيد بالنصّ الذي لدينا الآن. لكن مكانته عند المسلمين لم تكن على نفس الأهميّة التي احتلّها في ما بعد. لم يكن القرآن الدستور الأساسي أو الوحيد، بل نجد إلى جانبه المادّة التي سمّيت في ما بعد الحديث، وبعضها له صفة الوحي. إذاً، فالوحي المُنزل على الأنبياء عامّةً وكلام بعض المسلمين الأوائل المشهورين بالتقوى وحِكم أخلاقيّة غير معروفة المصدر وقصص الأنبياء والأولياء كل هذه ساهمت وأغنت الإسلام: وتحديداً في ما يخصّ مفاهيم التقوى والعبادة والآداب العامّة. يمكن على هذا الأساس القول بأنّ المسلمين في القرن الإسلامي الأوّل كانوا متقبّلين للتراث الديني اليهودي والمسيحي ولأديان أخرى موجودة في الإمبراطوريّة الإسلاميّة الجديدة. ويجب الانتباه هنا إلى أنّ هذا التقبّل والتأثّر بما هو غير إسلامي لم يكن متراخياً أو غير مشروط. على العكس من ذلك، كان الإسلام "البدائي" قد أرسى عناصر أساسيّة في مجال الفكر الديني، وأساليب في ترتيب وتفسير الواقع، الأمر الذي جعل ذلك التقبل والتواصل ممكنِين. وعلى الرغمّ من أهميّة الانتباه إلى فترة الانفتاح الإسلامي هذه، يجب أن نتذكّر أيضاً أنّ المسيحيّة الشرقيّة في القرنين السابع والثامن للميلاد كانت، وفقاً لتعبير أحد أشهر الباحثين في مجالها، "غارقة" في جميع أنواع الكتب المنحولة، معظمها منسوب إلى روّاد المسيحيّة الأوائل من أجل إعطائها قيمة وفعاليّة. إذ إن ميادين التواصل بين الإسلام والمسيحيّة في صدر الإسلام لم يحدّدها القرآن فحسب، لكن أسهبت فيها أيضاً العوامل التاريخيّة والاجتماعيّة والروحانيّة وبالطبع أيضاً الصراع العسكري. وما رشح من مجتمع إلى آخر كانت تلك العناصر التي رآها كلّ منهما في تراث الآخر مكمّلة له ومفيدة، وذلك نظراً للعلاقة الروحانيّة الحميمة بينهما. ولم يجد المسلمون الأوائل من سبب بديهي لرفض تقبّل قصّة أو تقليد أو مثل أو موعظة مسيحيّة خصوصاً إذا كانت داخل نطاق الإطار الفكري والأخلاقي الذي أوجده الإسلام لنفسه. يذكر القرآن باستمرار "التوراة" و"الإنجيل" و "الزبور" ويطلب من اليهود والنصارى التقيّد بما يجدونه فيها. هل كان الكتاب المقدّس معروفاً في فجر الإسلام؟ وبأيّ شكل؟ فإذا بدأ المرء من القرآن، يجد أنّه في ما عدا العلاقة العامّة بينه وبين الكتابين المقدّسيّن لليهوديّة وللمسيحيّة كأجزاء من الوحي، وكذلك العلاقة مع التقليدين والتراثين اليهودي والمسيحي، لا نجد إلاّ القليل من العبارات المأخوذة حرفيّاً من العهدين القديم والجديد. ثمة آيتان تبرزان بشكل لافت: الوصيّة بشأن العين بالعين ... والسنّ بالسنّ (سورة المائدة 5: 45)، وقول المسيح بخصوص الأغنياء لا يدخلون الجنّة حتّى يلج الجمل في سمّ الخيّاط (سورة الأعراف 7: 40). ويشير هذا إلى أنّ مادّة الكتاب المقدّس التي أخذ منها القرآن بعض مادّته، معيداً صياغتها ضمن إطاره الخاص، كانت متشعّبة المصادر، وأنّه على الرغم من أنّ القرآن يشهد بمكانة التوراة والإنجيل، خصوصاً تأنيبه لليهود والنصارى وحثّهم على النظر فيهما للتأكّد من صحّة نبوّة محمّد، من غير الواضح ما يقصده القرآن عندما يشير إليهما. في ذات الوقت يشير القرآن إلى التحريف الوارد في هذه الكتب ويُعطي مثلاً على ذلك التحريف (سورة النساء 4: 46)، ويدين أولئك الذين يزوّرون كتب الوحي (سورة البقرة 2: 79). إذاً من المرجّح أن يكون الدافع الأساسي للتعاليم القرآنيّة بخصوص الوحي، أي دعوة أهل الكتاب للاعتراف وقبول القرآن كخاتم للوحي، يطغى على جميع الاعتبارات الأخرى. بكلام آخر، القرآن هو القاعدة النهائيّة التي على أساسها تقيّم كلّ كتب الوحي السابقة. وفي وقت تجلّياتها السابقة، يجب أن تشهد كتب الوحي الأولى هذه على نزول القرآن. وإذا لم تشهد على نزوله، فالحكم عليها أنها محرّفة. لكن إذا وضعنا جانباً الإشكال الخاص عن نظرة القرآن لذاته وعلاقته بكتب الوحي السابقة، نطرح سؤالاً آخر: هل هناك من دليل على أنّ كتب الوحي السابقة كانت متوفّرة وباللغة العربيّة في فترة فجر الإسلام؟ البحث عن الجواب هنا أيضاً يبدأ من القرآن. ففي مقطع غريب لما له من إيحاءات عن علاقة ما بين النبيّ محمّد ومصدر غير معرّف (على الأغلب شخص يهودي أو مسيحي)، يدحض القرآن تهمة أن يكون محمّد يُلقَّن ما يقوله: "ولقد نعلم أنّهم يقولون إنّما يعلّمه بشر لسان الذي يُلحِدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين" (سورة النحل 16: 103). فالموضوع هنا ليس "وجود" ذلك الشخص، بل اللغة التي استخدمها للتكلّم مع محمّد. والتراث الإسلامي حفظ العديد من الأخبار، ليست بالضرورة ملفقة، عن أفراد من مكّة لهم معرفة بالكتب المقدّسة لليهوديّة والمسيحيّة. وحسب الاعتقاد الإسلامي، كان لبعض هؤلاء الأفراد علاقة قريبة مع النبيّ محمّد حتّى أنّهم أثّروا بتجربته وروحانيّته. لكن ما ينفيه التراث الإسلامي قطعاً هو أنّه لم يكن لهؤلاء الأشخاص أي دور في إلهام أو إملاء الوحي على محمّد. كما لا يمكن الاستنتاج من هذه المعرفة بالتراثين اليهودي والمسيحي في مكّة إذا ما كان أيٌّ من أجزاء الكتاب المقدّس مترجماً إلى العربية أم لا. فالألفاظ والعبارات القرآنية التي لها ما يشابهها في الكتاب المقدس لا تدل هي الأخرى على وجود أو عدم وجود الكتاب المقدس باللغة العربية في تلك الفترة. والأرجح أن القرآن صاغ بعض ما كان متداولاً من تراث الكتاب المقدس، وأن هذا الكتاب لم يكن مترجماً إلى العربية لا جزئياً ولا بشكل كامل. وليس ثمة من دليل على أنّ هذا الأمر قد تغيّر في القرنين الأوّلين من العصر الإسلامي. فالأبحاث الحديثة تؤرّخ ظهور أوّل ترجمة للكتاب المقدّس إلى اللغة العربية، جزئيّة كانت أم كاملة، إلى حوالى منتصف القرن الثالث للهجرة/التاسع للميلاد. إذاً بأيّ شكل عَرف المسلمون الكتاب المقدّس في القرنين الأوّلين؟ الأبحاث في هذا المجال متردّدة، خصوصاً كون التراث العربي الإسلامي من تلك الفترة تظهر فيه كلّ سنة تقريباً كتب ومؤلّفات مهمّة عديدة، إما يُعثر عليها صدفةً أو تحقّق من مخطوطات. فكثير من المؤلّفات العربيّة الإسلاميّة من قبل القرن التاسع للميلاد، بالتحديد كتب التقوى والزهد، تشير إلى "التوراة" أو "الحكمة" عادةً بعبارة: "جاء في التوراة" أو "جاء في الحكمة"، وتتبعها العظة. وقد جهد المستشرقون الأوائل لتحديد أصل هذه العظات، وكانت النتيجة أنّ القليل منها يمكن تتبّع أصله حقّاً إلى الكتاب المقدّس. لكن الأمر تغيّر بعض الشيء مع مستشرقين معاصرين تمكّنوا من اقتراح مجموعة مصادر أخرى، لكن تحديد مصدر كلّ خبر بدقّة يبقى صعباً. وهذا الجهد العلمي المستمر له علاقة مباشرة بالإنجيل الإسلامي، كون كتب التقوى والزهد تلك والتي تشير ببعض الغموض إلى "التوراة" و"الحكمة" هي نفسها التي تنقل أخباراً وقصصاً منسوبة إلى أنبياء، أهمّها تلك المنسوبة إلى المسيح. وفي تعليقي على كلّ خبر في هذا الكتاب، قمت حيث أمكن بالإشارة إلى مصادر ممكنة أو أخبار مشابهة له. وقبل التحوّل إلى معالجة الإنجيل الإسلامي، من الضروي تقديم الإطار الذي يظهر فيه المسيح الإسلامي، والمؤلّفين الذين رسموا لنا صوره الأولى.

 

 

This site was last updated 02/24/13