Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم المؤرخ / عزت اندراوس

مجمع سلوقيا فى إيشوريا فى الشرق

هناك فى صفحة خاصة أسمها صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
مجمع أريمينم
مجمع سلوقيا
مجمع القسطنطينية

الجزء التالى من كتاب التاريخ الكنسى لسوزمينوس  THE ECCLESIASTICAL HISTORY - OF Sozomen .. ترجمه من اليونانية : Chester d. Hartranft .. ونقله الى العربية : الدكتور/ بولا سـاويرس نقلا عن : NPNF, II, 1890 A.D.
**********************************************************************************************
الكتاب الرابع: الفصل العشرون
(الأحداث التى جرت فى الكنائس الشرقية. طرد ماراثونيوس وايليوسيوس من سيزيكوس. وطرد مقدونيوس لأولئك الذين حافظوا على مصطلح "مساوى فى الجوهر". اشتراك النوفاتيين مع الارثوذكس).

(4/20/1) بينما كانت الاحداث التى رويتها عاليه تحدث فى ايطاليا، كان الشرق حتى قبل أن ينعقد مجمع سلوقية مسرحا لإضطربات كبيرة. إذ قد خلع انصار اكاكيوس وباتروفيلوس Patrophilus مكسيموس، وسلَّموا كنيسة اورشليم لكيرلس. وانتهك مقدونيوس القنسطنطينية والمدن المجاورة وكان يحرضه ايلوسيوس Eleusius وماراثونيوس marathonius. وكان هذا الأخير اساسا شماسا فى كنيسته وكان مشرفا على فقراء المساكن الرهبانية من الرجال والنساء، ورقاه مقدونيوس إلى اسقفية نيقوميديا، وكان ايلوسيوس مُلحقا سابقا بالخدمة العسكرية بالقصر ليس بدون تميز، وسيم اسقفا على سيزيكوس Cyzicus. وقيل أن ايلوسيوس وماراثونيوس كانا صالحين فى سلوكهما، ولكنهما كانا غيورين فى اضطهاد أولئك الذين يتمسكون بأن الإبن من نفس جوهر الآب، على الرغم من أنهما لم يكونا قساة مثل مقدونيوس الذى لم يَطرد فقط أولئك الذين رفضوا التناول معه، بل سجن البعض وقاد آخرين إلى المحاكم. وفى مرات كثيرة أجبر الرافضين على الاشتراك معه، وقبض على النساء والأطفال الذين لم يُعمَّدوا بعد وعمَّدهم، ودمَّر كنائس عديدة فى أماكن مختلفة تحت زعم أن الإمبراطور أمر بإزالة كل بيوت الصلاة التى يُعتَرف فيها بأن الإبن هو من "نفس" جوهر الآب. وتحت هذا الزعم دُمِّرت كنيسة النوفاتيين التى كانت تقع فى حى يُدعى بيلارجوس Pelargus بالقنسطنطينية.
(4/20/2) وقد قيل أن هؤلاء الهراطقة قد قاموا بعمل شجاع بمساعدة أعضاء من الكنيسة الجامعة كان لهم مفهوم مشترك معهم. فعندما كان هؤلاء الموظفون المُكلَّفون بتدمير الكنيسة على وشك البدء فى الإزالة، اجتمع النوفاتيون معا، وقام البعض بنقض المواد، ونقلها آخرون إلى ضاحية من المدينة تدعى سايس Sycæ. وأنهُوا بسرعة هذه المهمة حيث اشترك الرجال والنساء والاولاد فيها، وبتقديمهم للعمل لله مُنِحوا إلهاما غير عادى. وبممارسة هذه الغيرة تجددت الكنيسة بسرعة. ومن هذه الظروف نالت اسم انسطاسيا([349]) Anastasia.
وبعد موت قنستانتيوس منح يوليانوس([350]) خلفه النوفاتيين الارض التى كانوا يمتلكونها سابقا وسمح لهم بإعادة بناء كنيستهم. وانتهز الناس هذه الفرصة الروحية، ونقلوا المواد الخاصة بالمبنى الأول من سايس. ولكن ذلك حدث فى وقت متأخر عن تلك التى نستعرضها الآن.
(4/20/3) وفى هذه الفترة حدث اتحاد بين النوفاتيين والكنائس الجامعة، إذ تمسك كلاهما بنفس المفاهيم عن الألوهية، وخضعوا معا لإضطهاد مشترك، واجتمع اعضاء كل منهما للصلاة معا. وإذ لم يكن لأعضاء الكنيسة الجامعة بيوت للصلاة لأن الاريوسيين كانوا قد استولوا عليها منهم، فقد كانوا يجتمعون معهم. ومن تكرار اجتماعاتهم معهم بدت الفوارق بينهم تافهة وعزموا على الاشتراك مع بعضهم بعضا. وكانت المصالحة، على ما أظن، ستكون فعالة، لولا اغتياب بعض الافراد للجمهور، زاعمين أن هناك قانونا قديما ينص على عدم اتحاد الكنيستين.

الكتاب الرابع: الفصل الواحد والعشرون
(اجراءات مقدونيوس فى مانتينيوم، ونقله من كرسيه عندما حاول نقل كفن قنسطنطين الكبير. اعلان يوليانوس قيصرا)

(4/21/1) وفى مثل هذا الوقت تقريبا قضى ايلوسيوس Eleusius بالكلية على كنيسة النوفاتيين فى سيزيكوس. وتعرَّض سكان المناطق الأخرى فى بافلاجونيا Paphlagonia وبصفة خاصة مانتينيوم Mantiniumلإضطهادات مماثلة.
(4/21/2) فقد أشاع مقدونيوس أن غالبية هؤلاء الناس اتباع لنوفاتيوس، وأن السلطة الكنسية لم تكن كافية وحدها لطردهم، لذلك أقنع الإمبراطور بإرسال اربعة كتائب ضدهم. لأنه تخيل أن هؤلاء الرجال غير المعتادين على السلاح سيرتعدون عند أول ظهور للجنود، فيوافقون على مفاهيمه.
(4/21/3) ولكن ما حدث كان العكس، إذ سلَّح شعب مانتينيوم انفسهم بالفؤوس والمناجل وبكل سلاح أيا كان فى متناول يدهم وزحفوا ضد القوات. ودارت معركة حادة وسقط كثيرون من أهل بافلاجونيا، ولكن الجنود قد قُتِلوا جميعا تقريبا. وكثيرون من اصدقاء مقدونيوس قد لاموه لأنه تسبب فى فاجعة عظيمة كهذه. وكان الإمبراطور غير مسرور بذلك ونظر إليه بأقل مما كان.
(4/21/4) وتولدت مشاعر معادية [ضده] من حادثة أخرى. فقد فكَّر مقدنيوس فى نقل جثمان الإمبراطور قنسطنطين لتداعى البناء المدفون فيه. وانقسم الشعب بخصوص هذه المسألة إلى فريقين. فالبعض وافق على المشروع بينما عارضه آخرون معتبرين إياه عملا غير تقوِى ويماثل نبش القبور. وكان أولئك المتمسكين بالإيمان النيقاوى من أصحاب الرأى الثانى، وأصروّا على ألاَّ يتعرض جثمان قنسطنطين لأية إهانة لأن الإمبراطور كان يتمسك بنفس العقائد مثلهم. ويمكننى أن أتصُور أنهم بالإضافة إلى ذلك كانوا شغوفين بمعارضة مشروعات مقدونيوس. ومع ذلك، وبدون ابطاء نقل مقدونيوس الجثمان إلى نفس الكنيسة التى كان فيها مقبرة الشهيد اكاكيوس. وانقسم الناس إلى فريقين واحد يستحسن العمل، والآخر يدينه. واندفع الفريقان ضد بعضهما إلى الكنيسة وحدثت مذبحة داخل بيت الصلاة، وامتلأ المكان المجاور له بالدماء وأجساد القتلى. وثار الإمبراطور الذى كان وقتها فى الغرب بشدة لهذا الحدث، ولام مقدونيوس بإعتباره سبب هذه الإهانة التى لحقت بأبيه، ومذبحة الشعب.
(4/21/5) وصمم الإمبراطور على زيارة الشرق، وفى طريقه أسبغ على ابن عمه([351]) يوليانوس لقب قيصر، وأرسله إلى الغال الغربية.

الكتاب الرابع: الفصل الثانى والعشرون
(مجمع سلوقية)

(4/22/1) وفى حوالى نفس الفترة اجتمع الاساقفة الشرقيون، حوالى مائة وستون بالعدد، فى سلوقية Seleucia مدينة بإيسوريا. وكان ذلك خلال قنصلية يوسيبيوس وهيباتيوس. وتوجه ليوناس Leonas الذى كان يشغل وظيفة عسكرية براقة فى القصر إلى هذا المجمع بأمر من قنستانتيوس لكى ما يتم الاعتراف العقيدى فى حضوره. وكان لوريكيوس([352]) Lauriciusالحاكم العسكرى للمنطقة حاضرا ليهىء كل ما هو ضرورى، إذ كلفه خطاب الإمبراطور بهذه الخدمة.
(4/22/2) وفى الجلسة الأولى لهذا المجمع كان اساقفة عديدون غائبين ومن بينهم باتروفيلوس اسقف اسكيثوبوليس، ومقدونيوس اسقف القنسطنطينية، وباسيليوس اسقف انقيرا، وقد لجأوا إلى اعذار متنوعة تبريرا لعدم حضورهم. فقد زعم باتروفيلس بشكوى من عينيه، وتحجج مقدونيوس بتوعك، ولكن كان يُشَك فى أنهم تعللوا بذلك خوفا من الاتهامات العديدة التى كانت ستُثار ضدهم.
(4/22/3) ولما رفض الاساقفة الآخرون فحص النقاط المتنازع عليها فى غيابهم، أمرهم ليوناس بإتخاذ الإجراءات فى الحال لفحص المسائل المثارة.
وهكذا كان البعض يرى أنه من الضرورى البدء بمناقشة الموضوعات العقيدية بينما رأى الآخرون أن الاستعلام يجب أن يؤسس أولا على سلوك أولئك الذين وُجِّهت إليهم الاتهامات، كما كان الحال مع كيرلس اسقف اورشليم ويوستاثيوس اسقف سيباسطا وآخرين.
(4/22/4) ولكن غموض خطابات الإمبراطور الذى أدى إلى وصفها أحيانا على نحو معين، وفى أحيان على نحو آخر قد أدى إلى هذا النزاع. وصار النزاع الناشىء من هذا المصدر قويا، لدرجة أنه دمَّر كل اتفاق بينهم، وانقسموا إلى قسمين.
(4/22/5) ومع ذلك سادت مشورة أولئك الذين يرون البدء بفحص العقائد. وعندما بدأوا بفحص المصطلحات رغب البعض فى رفض استعمال مصطلح "جوهر" وناشدوا الرجوع إلى صيغة الايمان التى وضعها منذ وقت قصير مارك من سيرميوم، وقبِلها الاساقفة الذين كانوا فى البلاط ومنهم باسيليوس اسقف انقيرا، ولكن آخرين كثيرين كانوا مهتمين بتبنى صيغة الايمان التى وُضِعَت عند تكريس كنيسة انطاكية.
(4/22/6) وكان المنتمون إلى الفريق الأول اودكسيوس وأكاكيوس وباتروفيلوس، وجورج اسقف الأسكندرية، وأورانيوس اسقف سيزيكوس، وصفرونيوس اسقف بومبيوبوليس Pompeiopolis فى بافلاجونيا، واتفق معهم الغالبية. ولذلك كان يظن بدرجة معقولة، أن اكاكيوس وحزبه قد تغيبوا بسبب الإختلاف بين مفاهيمهم وتلك الخاصة بالاساقفة سالفى الذكر، وأيضا لأنهم رغبوا فى تجنب مناقشة الاتهامات المُوجهة ضدهم على الرغم من أنهم قد اعترفوا سابقا كتابة لمقدونيوس اسقف القنسطنطينية أن الإبن هو "مثل" الآب فى كل شىء، وأنه من نفس الجوهر، ولكنهم يكافحون الآن بخجل تام ضد اعترافهم السابق.
(4/22/7) وبعد منازعة مطولة أعلن سلفانوس اسقف طرسوس بصوت عالى ولهجة قاطعة أنه لا ينبغى إدخال أية صيغة ايمان جديدة، وأن صيغة انطاكية هى وحدها التى تسود.
(4/22/8) وفى اليوم التالى اجتمع هؤلاء الاساقفة فى الكنيسة، واغلقوا الأبواب، وصدَّقوا على هذه الصيغة سرا. وأدان اكاكيوس هذا الاجراء، ووضع سرا الصيغة التى يتبناها أمام ليوناس ولورسيوس. وبعد ذلك بثلاثة أيام عاد هؤلاء الاساقفة إلى الاجتماع وانضم إليهم مقدونيوس وباسيليوس اللذين كانا غائبين سابقا. وصرح اكاكيوس وحزبه أنه لن يشترك فى اجراءات المجمع إلى أن يغادر الاجتماع أولئك المتهمين والمخلوعين. فأُذعِن لطلبه، لأن الفريق المعارض كان قد عزم على ألاَّ يدع له أية ذريعة ضد المجمع والذى كان من الثابت أن هذا هو هدفه لكى ما يمنع فحص هرطقة اتيوس، والاتهامات الموجهة ضده هو وحزبه.
(4/22/9) وعندما اجتمع جميع الاعضاء سجَّل ليوناس أن معه مستند مُسلَّم له من حزب أكاكيوس، وهو عبارة عن صيغة ايمانهم مع ملاحظات تمهيدية. ولم يكن أحد من الاساقفة الآخرين يعرفون أى شىء عنه لأن ليوناس الذى كان له نفس مفاهيم اكاكيوس قد احتفظ بالموضوع كله سرا.
(4/22/10) وعندما قُرِأ هذا المستند امتلأ جميع المجتمعون بالشغب لأن بعض العبارات، على الرغم من أن الإمبراطور قد حظر إدخال أى مصطلح جديد على صيغ الإيمان لا يوجد فى الأسفار المقدسة، إلاَّ أن أولئك الاساقفة الذين كانوا قد خُلِعوا، إذ كانوا قد أُحضِروا من مناطق عديدة إلى الاجتماع مع آخرين ممن قد سيموا على نحو غير شرعى قد طرحوا المجمع فى فوضى.
(4/22/11) وأُهين بعض الاعضاء ومُنِع آخرون من الكلام. وقيل أن اكاكيوس وحزبه لم يرفضوا الصيغة التى وضُعِت فى انطاكية على الرغم من أولئك الذين اجتمعوا فى تلك المدينة قد دونوها بغرض معالجة الصعوبة التى أُثيرَت آنذاك وهى أن مصطلحات مساوى فى الجوهر([353])، و"المماثلة"([354]) فى الجوهر، قد أحزنت بعض الأفراد، وأنها كما لو كانت، مثل التى أُثِيرت حديثا، تنص على أن الإبن غير مشابه للآب([355]). لذلك كان من الضروى فى هذا الصدد رفض مصطلح "مساوى فى الجوهر" و"مشابه" فى الجوهر اللذيَن لم يرِدا فى الأسفار المقدسة، لإدانة مصطلح "ليس مشابه"، وللإعتراف صراحة بأن الإبن هو مثل الآب، لأنه كما يقول بولس الرسول فى مكان ما "صُورة الله غير المنظور".
وهذه الملاحظات التمهيدية، تلتها صيغة لا هى مطابقة لصيغة نيقية، ولا لصيغة انطاكية، ومكتوبة بحِرفية تجعل اتباع اريوس واتيوس غير ضالين متى تقرر ايمانهم بذلك. فقد حُذِفت فى هذه الصيغة الكلمات التى تدين التعليم الأريوسى والتى استخدمها المجتمعون فى نيقية، وتم العبور فى صمت على الكلمات المُعلنَة فى مجمع انطاكية بشأن عدم تغير الله الابن وبخصوص صُورة الجوهر غير المتغير، والسلطة والمجد والمشورة([356]) للآب. وتم التعبير ببساطة عن الايمان بالآب والابن والروح القدس.
(4/22/12) وبعد سرد بعض الألقاب الغامضة لحالات فردية لا تدخل فى أى مفهوم عقائدى من ناحية أو أخرى، تقول أن كل مَن يشايع أى آراء أخرى خلاف تلك المذكورة فى هذه الصيغة يكون غريبا على الكنيسة الجامعة.
(4/22/13) تلك كانت محتويات الرسالة المُقدَّمة من ليوناس، والموَّقع عليها من اكاكيوس ومن الذين تبنوا مفاهيمه.
(4/22/14) وبعد أن قُرِأت صاح صفرونيوس اسقف بافلاجونيا إن قبلنا نحن يوميا آراء الأفراد كإقرار إيمان فإننا سنخفق فى إحراز دقة الحق.
فرد اكاكيوس بحسم أنه ليس هناك ما يمنع من تأليف صيغ جديدة بديلة لتلك التى لنيقية. فأجاب ايلوسيوس كالآتى: ولكن المجمع لم يجتمع الآن بغرض تعلّم ما هو معروف بالفعل، أو لقبول صيغة أخرى خلاف تلك المُصدَّق عليها بالفعل من قِبل الذين اجتمعوا فى انطاكية. وأكثر من ذلك، سواء أكنا أحياء أو أموات فإننا نتمسك بهذه الصيغة.
(4/22/15) وبعد أن أخذ النقاش مداه، انتقلوا إلى استعلام آخر، وسألوا حزب أكاكيوس على أى نحو يعتبرون الإبن "مثل" الآب. فأجابوا أن الإبن مثل الآب فى الإرادة فقط وليس فى الجوهر. وأصرَّ الآخرون على أنه مثله فى الجوهر، واقنعوا اكاكيوس من العمل الذى كان قد كتبه سابقا، وأنه كان ذات مرة من رأيهم. فرد أكاكيوس بأنه لا ينبغى أن يُحاكَم بما قد كتبه. واستمرت المنازعة بحرارة لبعض الوقت، ثم تكلم ايليوسيوس اسقف سيزيكوس كالآتى:
إن المجمع لا يهتم كثيرا بما إذا كان باسيليوس أو مارك قد أخطأ على نحو ما، ولا يقلق بفحص الصيغ وما إذا كانت مقبولة أم لا، إنما يكفى الحفاظ على الصيغة التى تم التصديق عليها فى انطاكية من قِبل السبعة والتسعين كاهنا، وإذا رغب أى شخص فى إدخال أى تعليم لا تحتويه تلك الصيغة فيجب أن يٌعتبر غريبا عن الدين وعن الكنيسة. فإستحسن أولئك الذين كانوا حسب مفاهيمه، كلامه. ونهض المجتمعون عندئذ وانصرفوا.
(4/22/16) وفى اليوم التالى رفض حزب أكاكيوس وجورج حضور المجمع، وكذلك رفض ليوناس الذى أظهر نفسه الآن صراحة أنه مع مفاهيمهم، الحضور على الرغم من كل التوسلات ليتوجه إلى هناك. ووجد أولئك الذين أُرسلَوا إليه ليستدعوه للحضور، حزب اكاكيوس فى بيته. ورذل دعوتهم بحجة أن عدم الوفاق قد ازداد فى المجمع بسبب عدم التآلف بين الاعضاء. وضاع وقت طويل على هذا النحو.
(4/22/17) ودُعِى حزب اكاكيوس مرارا من قِبل الاساقفة الآخرين لحضور الاجتماعات، ولكنهم طلبوا حوارا خاصا فى بيت ليوناس مرة، وزعموا أنهم موفدون من الإمبراطور لمحاكمة أولئك المتهمون مرة أخرى، لأنهم لم يقبلوا قانون الإيمان الذى تبناه الاساقفة الآخرون ولا تتطهروا من الجرائم التى أُتُهِموا بها، ولا فحصوا قضية كيرلس الذى قد خلعوه. وأنه ليس هناك مَن يُجبِرهم على عمل ذلك.
(4/22/18) ومع ذلك، خلع المجمع أخيرا جورج اسقف الأسكندرية، واكاكيوس اسقف قيصرية واورانيوس اسقف صُور، وباتروفيلس اسقف سكيثوبولس واودكسيوس اسقف انطاكية ومقدّمين آخرين عديدين. ومنع أشخاصا كثيرين من الشركة إلى أن يتطهروا من الجرائم المنسوبة لهم. وأُرسِلت المداولات كتابة إلى ايبارشية كل من الاكليروس وسيم ادريان كاهن انطاكي اسقفا على هذه الكنيسة بدلا من اودكسيوس، ولكن حزب اكاكيوس قبضوا عليه وسلَّموه لليوناس ولورسيوس فأودعوه السجن العسكرى، ثم ارسلوه فيما بعد إلى المنفى.
(4/22/19) لقد اعطينا الآن رواية مختصرة عن اعمال مجمع سلوقية. ومَن يرغب فى معلومات تفصيلية أكثر يمكنه أن يجدها فى اعمال المجمع المسجلة كتابة بالإختزال.

الكتاب الرابع: الفصل الثالث والعشرون
(اكاكيوس واتيوس. وكيف قاد الإمبراطور مندوبى المجمعيَن ارمينيّم وسلوقية إلى قبول نفس التعاليم)

(4/23/1) وعقب الاجراءات عاليه توجه مشايعو اكاكيوس فى الحال إلى الإمبراطور، وعاد الاساقفة الآخرون إلى أوطانهم الخاصة بهم.
وتقابل فى الطريق المندوبين العشرة الذين ارسلهم مجمع ارمينيّم مع المندوبين العشرة المُرسَلين من مجمع سلوقية، وأيضا مع حزب اكاكيوس. وهؤلاء الآخيرون كانوا قد اكتسبوا لدعواهم الرجال الرئيسين بالقصر، وبواسطة تأثيرهم ضمنوا عطف الإمبراطور. وقيل أن بعض هؤلاء قد ناصروا مفاهيم اكاكيوس فى فترة ما سابقة، والبعض أُرتُشِى بثروة الكنيسة، وآخرون خُدِعوا بالحجج الماكرة التى قُدِّمت لهم، وبرتبة مَن أقنوعهم.
(4/23/2) ولم يكن اكاكيوس، فى الحقيقة، شخصية عامة، ولكنه وُهِب بالطبيعة قوة ذكاء كبيرة وبلاغة، ولم يُظهِر أى حاجة إلى مهارة أو خطابة فى انجاز مخططاته فقد كان رئيسا لكنيسة شهيرة ويمكنه أن يتباهى بأن استاذه كان يوسيبيوس بامفيلوس الذى خلفه فى الاسقفية، وكان مُكرَّما أكثر من أى شخص آخر بسمعته وكُتُبِه. وإذ قد وُهِب كل هذه المزايا، فقد نجح بكل سهولة فى كل ما تعهد به.
(4/23/3) ولما كان فى ذلك الوقت هناك عشرون مبعوثا بالقنسطنطينية، عشرة من كل مجمع، إلى جانب اساقفة آخرين كثيرين كانوا قد توجهوا إلى المدينة لأغراض شتى فقد تلقى هونوراتس Honoratus حاكم القنسطنطينية الرئيسى، الذى عيَّنه الإمبراطور قبل رحيله إلى الغرب، توجيهات بفحص التقارير الخاصة بإتيوس وهرطقته فى حضور مقدّمى المجمع الكبير.
(4/23/4) وقد اهتم قنستانتيوس مع بعض الحكام بفحص هذه القضية، ولما ثبت أن اتيوس قد ادخل بعض العقائد التى تتعارض بصفة جوهرية مع الايمان، غضب الإمبراطور والقضاة الآخرون من عباراته التجديفية. وقد قيل أن أنصار اكاكيوس تظاهروا بجهلهم بهذا الأمر بغرض أن يحثوا الإمبراطور ومَن حوله إلى الإلمام بها، لأنهم تخيلوا أن بلاغة اتيوس لا تُقاوَم وأنه سينجح بدون أدنى زلل فى اقناع سامعيه، وأن هرطقته قادرة على التغلب على الرافضين لها.
(4/23/5) ومع ذلك عندما أثبتت النتيجة عُقم توقعاتهم، طلبوا اعتماد وفد المبعوثين من مجمع سلوقية لصيغة الايمان التى قبلها مجمع ارمينيّم. فلما رفض مبعوثى مجمع سلوقية التخلى عن مصطلح جوهر، صرح حزب اكاكيوس لهم بقَسم أنهم لم يتمسكوا بأن الإبن "غير مماثل" للآب فى الجوهر، بل أنهم على العكس مستعدين لرفض هذا الرأى كهرطقة. وأضافوا أنهم يُقدِّرون الصيغة المحررة من الاساقفة الغربيين فى ارمينيّم بدرجة كبيرة لأن كلمة جوهر قد شُطِبت منها يشكل غير متوقع لأنهم قالوا إن قُبِلت هذه الصيغة فلن يكون هناك داعى لذكر كلمة جوهر أو مصطلح "مساوى فى الجوهر" التى كان الكثيرون من الكهنة الغربيون يتمسكون بها من توقيرهم لمجمع نيقية.
(4/23/6) وكان لهذا السبب أن اعتمد الإمبراطور الصيغة لأنه عندما تذكر عدد الاساقفة الكبير الذين اجتمعوا فى ارمينيّم وفكر أنه ليس هناك خطأ فى القول سواء أن الإبن مثل الآب، أو أنه من نفس الجوهر كالآب؛ وعندما تمعن بالأكثر فى أنه ليس هناك اختلاف فى الدلالة سينتُج عن ذلك إذا ما حلَّت تعبيرات لا جدال فيها محل مصطلحات لم ترِد فى الأسفار المقدسة (مثل "مماثل" على سبيل المثال) فقد صمم على التصديق على الصيغة.
وإذ كانت هذه هى وجهة نظره فقد أمر الاساقفة بقبول الصيغة.
(4/23/7) وفى اليوم التالى كانت الترتيبات تتخذ للإحتفال الفخم لإعلانه قنصلا الذى يحدث حسب العادة الرومانية فى بداية شهر يناير، ويقضى فيه الإمبراطور طوال النهار وجزء من الليل مع الاساقفة. ونجح فى النهاية فى اقناع مبعوثى مجمع سلوقية على قبول الصيغة المحالة من ارمينيّم.

الكتاب الرابع: الفصل الرابع والعشرون
(اعتماد أنصار اكاكيوس لصيغة مجمع ارمينيّم. قائمة برؤوساء الكهنة المخلوعين واسباب ادانتهم)

(4/24/1) وبقى أنصار اكاكيوس لبعض الوقت فى القنسطنطينية، ودعا اساقفة عديدين من بيثينية من بينهم ماريس Marisاسقف خلقيدون، واولفيلاس Ulfilasاسقف القوط. واجتمع هؤلاء المدبرون معا، حوالى خمسون بالعدد، واعتمدوا الصيغة التى قُرِأت فى مجمع ارمينيّم وأضافوا مادة تنص على عدم استخدام مصطلحات جوهرsubstance وهيبوستاسيس hypostasis مرة ثانية أبدا فى الاشارة إلى الله. وأن جميع الصيغ التى سبق سنها وتلك التى ستُسَّن فى المستقبل يجب إدانتها.
(4/24/2) ثم خلعوا اتيوس من خدمة الشموسية لأنه كتب أعمالا مملوءة بالخلافات، وبألوان من المعرفة الباطلة المضادة للدعوة الكنسية، ولأنه استخدم فى الكتابة وفى الجدال تعبيرات كافرة عديدة، ولأنه كان سبب المتاعب والشقاق فى الكنيسة. وقد زُعِم أنهم لم يخلعوه بإرادتهم ولكن لمجرد أنهم أرادوا أن يزيلوا كل شكٍ من ذهن الإمبراطور نحوهم، إذ أنهم أُتُهِمُوا بأنهم يشايعون آراء اتيوس.
(4/24/3) وانتهز أولئك الذين يتبنون نفس المفاهيم فرصة استياء الإمبراطور من مقدونيوس للأسباب المذكوره عاليه وعزلوه بالتالى. وبالمثل ايلوسيوس([357]) اسقف سيزيكوس، وباسيليوس اسقف انقيرا، وهيورتاسيوس اسقف ساردس، ودراكونتيوس اسقف برجاموس. وعلى الرغم من أنهم كانوا يختلفون فى العقيدة عن أولئك الاساقفة، إلاَّ أنهم فى خلعهم لم يُوَّجه لهم أى لوم على إيمانهم، بل كانت التهم المزعومة ضدهم هى [التهم] المشتركة للجميع وهى ازعاج السلام وكسر قوانين الكنيسة.
(4/24/4) وحددوا بصفة خاصة أنه عندما كان ديوجينس الكاهن مسافرا من الأسكندرية إلى انقيرا، استولى باسيليوس على اوراقه وضربه. وخلعوا أيضا باسيليوس بدون محاكمة. وسلَّموا الكثيرين من اكليروس انطاكية وشواطىء الفرات وكيليكية وغلاطية وآسيا لحُكام المقاطعات لنفيهم وإخضاعهم لعقوبات قاسية.
(4/24/5) وهكذا قُيِّد الكثيرون بالقيود وأُجبَروا على رشوة الجنود الذين كانوا يقتادونهم حتى لا يُسيئوا معاملتهم. وأضافوا أنه فى إحدى المناسبات عندما أمر الإمبراطور أن يتم إحضار اتيوس وبعض تابعيه للمثول أمام سكربيوس ليستجوبهم فى اتهامات متعددة موجهة لهم، أوصى باسيليوس ذاك الذى كان مُكلَّفا بتنفيذ هذا المرسوم أن يسلك حسب مقتضيات حُكمه الخاص. ويقولون أنه كتب توجيهات لهرموجينس البريفكت وحاكم سوريا مُحدِدا له مَن يُنفى، وما إذا كانوا يُرسَلون أم لا. وعندما كان المنفيون يُستَدعون من الإمبراطور كان هو يعترض ولا يوافق على عودتهم ويُقاوِم رغبات الحُكام والكهنة. وقالوا أيضا أنه هيّج كهنة سيرميوم ضد جرمانيوس وأنه على الرغم من أنه دوَّن كتابة أنه قبِل جرمانيوس وفالنس واورساكيوس فى الشركة، فإنه اعتبرهم كمجرمين أمام محكمة الاساقفة الافريقيين. وأنه عندما وُوجِه بهذا العمل انكره وحلف كاذبا. وعندما حُكِم عليه بعد ذلك برر حنثه بالقَسم بأعذار سوفسطائية. وأضافوا أنه كان السبب فى النزاع والتحريض فى ايلليريا وافريقيا وفى الكنيسة الرومانية. حتى أنه ألقى بخادمة فى السجن ليُجبرها على الشهادة بالزور ضد سيدها بأنه قد عمَّد رجلا ذا حياة ماجنة إذ كان يعيش فى جماع غير شرعى مع إمرأة، ورقاه إلى رتبة الشموسية. وأنه قد أهمل فى حرم طبيب دجال تسبب فى موت اشخاص عديدين. وأنه هو وبعض الاكليروس قد ربطوا انفسهم بقَسم امام المائدة المقدسة ألا يثيروا الاتهامات ضد بعضهم بعضا، ويقولون أن هذه حيلة من رئيس الاكليروس ليحصن نفسه ضد اتهامات المُدعِين عليه. وبإختصار كانت اسباب مثل هذه هى التى خصصوها لباسيليوس.
(4/24/6) ويقولون أن يوستاثيوس قد خُلِع لأنه عندما كان كاهنا قد أُدين من أبيه يولاليوس اسقف كنيسة قيصرية كبادوكية، وحُرِم من الشركة فى الصلاة. وأيضا لأنه حُرِم من مجمع مدينة نيوقصرية ببونطس، وخُلِع من يوسيبيوس اسقف القنسطنطينية لعدم أمانته فى القيام بواجبات معينة منوط بها. وحُرِم أيضا من اسقفيته بواسطة المجتمعين فى غنغرا بسبب تعليمه وعمله وفكره المضاد للعقيدة السليمة، وحُكِم عليه بحنث القَسم من مجمع انطاكية وقد سعى أيضا إلى إلغاء المراسيم الخاصة بالحُكم فى ميليتينا Melitina. وعلى الرغم من أنه مذنب فى قضايا كثيرة فقد تطلع إلى أن يكون قاضيا على الآخرين وأن يصمهم كهراطقة.
(4/24/7) وعزلوا ايلوسيوس لأنه رفع بلا اكتراث هيراكليوس مواطن من صُور ليكون شماسا. وهذا الرجل كان قسا فى هركلوس Hercules بصُور، وكان قد أتُهِم وحوكم بالسحر. ولذلك اعتزل فى سيزيكوس وتظاهر بالإهتداء إلى المسيحية. وأكثر من ذلك بعد أن علِم ايلوسيوس بهذه الظروف لم يطرده من الكنيسة. وأيضا رسم اشخاصا مُعيّنِين بدون استعلام كانوا قد أتوا إلى سيزيكوس بعدما أُدِينوا من قِبل ماريس اسقف خلقيدون الذى شارك فى هذا المجمع.
(4/24/8) وعُزِل هيروتاسيوس لأنه رسم اسقفا لأروس بدون موافقة اساقفة ليديا. وعزلوا دراكنتيوس اسقف برغامس لأنه كان يشغل سابقا اسقفية أخرى فى غلاطية، وقرروا أنها كانت فى جميع الأحوال سيامة غير شرعية.
وبعد هذه الاجراءات عُقِد اجتماع ثانى للمجمع عُزِل فيه سيلفانوس اسقف طرسوس وصفرونيوس اسقف بومبيوبولس، والبيديوس اسقف ساتلا، ونيوناس اسقف سلوقية بإيسوريا. والسبب الذى عزوه لعزل سلفانوس هو أنه نصَّب نفسه قائدا لحزب غبى فى سلوقية والقنسطنطينية، وجعل إلى جانب ذلك ثيوفيلس رئيسا لكنيسة كاستابلا، وهذا كان قد سيم قبلا اسقفا على اليوتيروبوليس بواسطة اساقفة فلسطين، وكان قد وعد بقَسم أنه لن يقبل اسقفية أخرى بدون إذنهم. وعُزِل صفرونيوس بسبب جشعه، ولأنه قد باع بعض التقدمات المُقدَّمة للكنيسة لربحه الخاص. وإلى جانب ذلك، بعد أن أُستُدعِىَّ مرة واثنين للمثول أمام المجمع، ظهر بالكاد أخيرا وبدلا من الرد على الاتهامات المثارة ضده طلب قضاة آخرين. وعُزِل نيوناس لأنه لجأ إلى العنف فى سعيه لسيامة انيانوس فى كنيسته الخاصة الذى عُيِّن اسقفا لأنطاكية ولأنه رسم كأساقفة اشخاصا قد انشغلوا سابقا بالسياسة وكانوا يجهلون تماما الأسفار المقدسة والقوانين الكنسية والذين فضَّلوا بعد سيامتهم التمتع بممتلكاتهم عن رتبة الكهنوت وأعلنوا كتابة أنهم يُفضلون تحمل مسؤولية ممتلكاتهم عن التفرغ للمهام الاسقفية بدونها. وعُزِل البيدوس لأنه شارك فى الممارسات الخاطئة لباسيليوس وسبَّب اضطرابا عظيما، ولأنه ضدا لمراسيم مجمع ميليتينا، أعاد إلى رتبته السابقة رجلا يُدعى يوسيبيوس كان قد عُزِل لأنه جعل نكتاريا شماسة بعد أن حُرِمت بسبب نقضها لإتفاقات وأقسام، وأن منحها لهذه الكرامة كان بكل وضوح ضدا لقوانين الكنيسة.

الكتاب الرابع: الفصل الخامس والعشرون
(أسباب عزل كيرلس اسقف اورشليم، والشقاق المتبادل بين الاساقفة. وسيامة مليتيوس بواسطة الاريوسيين. وتعضيد يوستاثيوس فى اسقفية سيباستا)

(4/25/1) وبالإضافة إلى الاساقفة السابق ذكرهم عُزل كيرلس اسقف اورشليم لأنه قبل يوستاثيوس والبيدوس فى الشركة بعد أن عارضا المراسيم الصادرة من قِبل المُجتمعين فى ميليتينيا. وكان من ضمنهم كيرلس نفسه. ولأنه قبل أيضا باسيليوس وجورج اسقف لاودوكية فى الشركة بعد عزلهما فى فلسطين.
(4/25/2) وقد كانت هناك منازعة بين كيرلس واكاكيوس اسقف قيصرية عندما نُصِّب على اسقفية اورشليم بشأن حقوقه كمطران، والتى طالب بها على اساس أن اسقفيته هى كرسى رسولى. فأثارت هذه المنازعة مشاعر البُغضة بين الاسقفين، واتهم كل منهما الآخر بعدم سلامة اعتقاده الخاص بالألوهية. وفى الحقيقة كان لكل منهما [سببا] مسبقا للشك، فأكاكيوس كان متعاطفا مع هرطقة آريوس. وكان كيرلس فى جانب أولئك الذين يحافظون على أن الإبن مثل الآب فى الجوهر. فجاهد أكاكيوس وهو ممتلىء حنقا ضد كيرلس، ومدعوما من اساقفة المنطقة الذين كانوا من نفس مفاهيمه، فى عزل كيرلس بواسطة المزاعم التالية: لقد تعرضت اورشليم والريف المجاور لها ذات مرة لمجاعة. فلجأ الفقراء بأعداد غفيرة إلى اسقفهم كيرلس من أجل الطعام الضرورى. وإذ لم يكن لديه نقود لشراء المواد المطلوبة باع من أجل هذا الغرض الستائر والأوانى المقدسة للكنيسة. وقيل أن رجلا تعرف على تقدمة كان قد قدَّمها للمذبح، كجزء من ملابس ممثلة. فاستعلم متى حصلت عليها، وتأكد أن تاجرا قد باعها للممثلة وأن الاسقف قد باعها للتاجر. وتحت هذه الذريعة عُزِل اكاكيوس كيرلس([358]). وعند الفحص وجدت هذه الحقائق. ولقد قيل أن حزب اكاكيوس قد طرد من القنسطنطينية كل الاساقفة الذين عزلوا المذكورين عاليه.
(4/25/3) ورفض عشرة أساقفة من هذا الحزب التوقيع على مراسيم العزل وانفصلوا عن الآخرين، فمُنِعوا([359]) من ممارسة مهام الخدمة([360]) أو إدارة كنائسهم إلى أن يوافقوا على إعطاء توقيعاتهم. وتم النص على أنه ما لم يوافقوا خلال ستة أشهر ويُسَلِّموا بكل مراسيم المجمع يتم عزلهم([361])، ويجتمع اساقفة كل منطقة لإختيار اساقفة آخرين بدلا منهم. وبعد هذه الاعمال والقرارات أُرسِلت الخطابات إلى جميع الاساقفة والاكليروس لمراعاة واتمام نصوصها.
(4/25/4) وبناء عليه حلَّ البعض من حزب اودكسيوس، ليس بعد ذلك بوقت طويل، هنا وهناك. واستولى اودكسيوس نفسه على اسقفية مقدونيوس. وحل أثناسيوس محل باسيليوس، واستولى اونوميوس الذى كان سابقا زعيما لهرطقة تحمل اسمه على كرسى ايلوسيوس. وعُيِّن مليتيوسMeletius على كنيسة سبسطا بدلا من يوستاثيوس.

الكتاب الرابع: الفصل السادس والعشرون
(موت مقدونيوس اسقف القنسطنطينية. وماذا قال اودكسيوس فى تعليمه. سعى اكاكيوس واودكسيوس الشديد لإلغاء صيغ ايمان نقية وارمينيّم. المتاعب التى ثارت فى الكنائس)

(4/26/1) وعندما عُزِل مقدونيوس من كنيسة القنسطنطينية، اعتزل بإحدى ضواحى المدينة حيث مات. واستولى اودكسيوس على كنيسته فى السنة العاشرة من قنصلية قنستانتيوس، والثالثة من يوليانوس المُلَقب قيصر.
(4/26/2) ويُروَى أنه عند تدشين الكنيسة الكبرى التى تُدعَى صوفيا، عندما نهض([362]) ليُعلِّم الناس بدأ حديثه بهذه العبارة: الآب غير تقى أما الإبن فتقى. فلما أثارت هذه العبارة هياجا شديدا بين الناس، أردف [قائلا] اهدأوا. الآب غير تقى لأنه لا يَعبُد أحدا، أما الإبن فتقى لأنه يَعبُد الآب([363]). وبهذا التفسير انفجر السامعون فى الضحك.
(4/26/3) وهكذا سعى اودكسيوس واكاكيوس بأقصى جهد لجعل مراسيم نيقية تسقط بالنسيان. فأرسلا صيغة ارمينيّم بتفسيرات عديدة مضافة من عندهما إلى سائر المقاطعات الامبراطورية، وطلبا من الإمبراطور مرسوما بنفى كل مَن يرفض التوقيع عليها.
(4/26/4) ولكن هذا الاجراء الذى بدا لهما سهل التنفيذ كان بداية لمصائب أعظم لأنها أثارت هياجا فى سائر ارجاء الامبرطورية، وجلبت على الكنيسة فى كل اقليم اضطهادًا أكثر قسوة من ذلك الذى جرى فى عهد الأباطرة الوثنيين.
فإذا كان اضطهادا كهذا لا يُعذِّب الجسد مثل الاضطهادات السابقة، إلاَّ أنه ظهر أكثر بشاعة لكل مفكر بسبب طبيعته الشائنة لأن كلا من المُضطِّهِدين والمضطَّهَدين ينتمون إلى الكنيسة. وكان الأمر أكثر خزيا أن يُعامِل اتباع نفس الدين رفقائهم بدرجة من القسوة تحظر القوانين الكنسية تطبيقها على الاعداء والغرباء([364]).

الكتاب الرابع: الفصل السابع والعشرون
(بدعة مقدونيوس وتجديفه على الروح القدس. انتشار هرطقته بواسطة ماراثونيوس وآخرين)

(4/27/1) إن روح الابتداع، ذاتية المديح، ومن ثم فهى تتقدم أكثر وأكثر وتمتد إلى بدع أكثر بالاقتناع الذاتى. فهى تحتقر الآباء، وتسن قوانينا من عندياتها، ولا تُكرِّم عقائد القدماء بشأن الله؛ ولكنها تفكر بإستمرار فى عقائد جديدة وتضيف بلا راحة بدعة إلى أخرى كما تُظهِر الأحداث الآن.
(4/27/2) فبعد أن عُزِل مقدونيوس من كنيسة القنسطنطينية، تخلى عن مفاهيم اكاكيوس واودكسيوس. وبدأ يُعلِّم أن الإبن هو الله وأنه مثل الآب فى كل شىء وفى الجوهر substance، ولكنه زعم أن الروح القدس لا يشترك فى نفس الكرامة، ونعته بخادم ورسول، وطبَّق عليه ما شاء بدون خطأ مما يُقال عن الملائكة المقدسين. وتبنى هذا المفهوم ايلوسيوس ويوستاثيوس وسائر الاساقفة الآخرين الذين خُلِعوا من القنسطنطينية من قِبل انصار الهرطقة المضادة. وتبع بسرعة مثالهم، عدد ليس بقليل من سكان القنسطنطينية وتيراقية وهللسبونت والمقاطعات المجاورة لأن نمط حياتهم لم يكن قليل الأثر، وهذا ما جذب بصفة خاصة انتباه الناس.
(4/27/3) فلقد كان لهم جاذبية كبيرة فى السلوك. وكان تهذبهم مثل الرهبان، وحديثهم واضح وبأسلوب ملائم للإقناع. وقد قيل أن كل هذه الصفات كانت مجتمعة فى ماراثونيوس. فقد كان يشغل قبلا منصبا عاما فى الجيش تحت إمرة الحاكم. وبعد أن كدَّس بعض المال من هذه الوظيفة، ترك الخدمة العسكرية، وانشغل بالإشراف على مؤسسة لراحة المرضى والمُعدَمين. وبعد ذلك، وبناء على اقتراح يوستاثيوس اسقف سبسطا تبنى الحياة النسكية وأسس مستوطنة رهبانية فى القنسطنطينية، ما زالت موجودة إلى اليوم الحالى([365]). فأظهر حماسا كبيرا، وقدَّم جزءً من ثروته الخاصة لدعم هذه الهرطقة السابق ذكرها، إلى حد أن المقدونيين يمكن اعتبارهم بدرجة كبيرة مارثونيين.
(4/27/4) ويبدو لى، ليس بلا سبب إذ أنه يبدو أنه هو وحده مع مؤسسته كان سبب عدم تميزها فى القنسطنطينية. ففى الحقيقة، لم يكن للمقدونيين، بعد عزل مقدونيوس كنيسة أو اساقفة إلى عهد اركاديوس. وطردهم الأريوسيون من الكنائس واضطهدوا بشدة كل من تبنى مفاهيما مضادة لمفاهيمهم وجردوهم من كل اميازاتهم.
(4/27/5) وليس بالمهمة اليسيرة احصاء اسماء الكهنة الذين طُرِدوا فى هذه الفترة من مدنهم الخاصة لأننى اعتقد أنه ليس هناك مقاطعة فى الإمبراطورية كانت معفاة من مصيبة كهذه.
الكتاب الرابع: الفصل الثامن والعشرون
(الاريوسيون، إذ يتوهممون أن مليتيوس يتبنى مفاهيمهم، ينقلونه من سبسطا إلى انطاكيا. وعندما صُدِموا من إعترافه الجرىء بالعقائد الارثوذكسية يخلعونه. احلالهم ليوزيوس محله على كرسيه. مليتيوس يكون كنيسة له، ولكن المتمسكين بالمساوة فى الجوهر يبتعدون عنه لأنه سيم بواسطة الاريوسيين)
(4/28/1) وفى الفترة التى حصل فيها اودكسيوس على ادارة كنيسة القنسطنطينية كان هناك متطلعون كثيرون لكرسى انطاكية. وكما هو الحال فى مثل هذه الظروف قسَّمت الشقاقات والمنازعات الاكليروس والشعب فى انطاكية تلك. فكان كل فريق مهتم بتعيين اسقف حسب قناعته هو. فقد كانت المنازعات الخاصة بالعقيدة سائدة بينهم لدرجة أنهم لم يقدروا على الاتفاق على طريقة ترتيل المزامير. فقد كانت المزامير، كما كان مقررا سابقا، تُرتَّل بواسطة كل فرد بما يتناسب مع قانون الايمان الخاص به.
(4/28/2) هكذا كان الحال فى كنيسة انطاكية، فرأى حزب اودكسيوس أنه من الجيد اسناد اسقفية المدينة إلى مليتيوس Meletius الذى كان اسقفا لسباسطا آنذاك، وكان يتمتع ببلاغة اقناع عظيمة، وحياة ممتازة. وقد ظن جميعهم أنه حسب آرائهم. واعتقدوا أن صيته سيجذب سكان انطاكية، والمدن المجاورة للإنضمام إلى هرطقتهم، وخاصة هؤلاء الذين يُدعَون يوستاثيون، المشايعين بثبات للعقائد النيقاوية. ولكن توقعاتهم تبددت كلية.
(4/28/3) إذ يُقال أنه بمجرد وصوله إلى انطاكية إلتف حوله حشد كبير من الأريوسيين، وأولئك الذين كانوا فى شركة مع بولينس. البعض لأنه أراد أن يُشاهِد الرجل لأن صيته كان عظيما حتى قبل مجيئه، والبعض كان مهتما بما سيقوله للتعرف على طبيعة آرائه لأن الأخبار كانت قد انتشرت فى الخارج أنه يحافظ على عقائد أولئك الذين اجتمعوا فى نيقية.
(4/28/4) وفى حديثه الأول اهتم بتثقيف الناس بما ندعوه بالأخلاق، ومع ذلك أعلن جهارا أن الإبن من نفس جوهر الآب. ويُقال أنه عندما نطق بهذا الكلام بسط ارشيدياكون الكنيسة الذى كان أحد الاكليروس هناك يده وغطى فم المتكلم، ولكنه استمر فى شرح مفهومه بأكثر وضوح بواسطة اصابعه عما كان يمكنه باللغة. فقد مد ثلاثة أصابع فقط للشعب وأغلقهم ثم سمح لأصبع واحد أن يظل ممددا. وهكذا عبَّر بالإشارات عما مُنِع من النطق به. فلما أمسك الارشيدياكون بيده حرَّر الفم، فإنطلق اللسان. واستمر مليتيوس فى إعلان رأيه بأكثر وضوح وبأعلى صوت، وحث سامعيه على التمسك بقواعد مجمع نيقية، وشهد للسامعين بأن أولئك الذين يتبنون آراء أخرى قد حادوا عن الحق.
(4/28/5) فلما أصرَّ على هذا التعبير سواء بالفم أو بالإشارة عندما أغلق الارشيدياكون فمه، ثارت المنازعات بين الجانبين، ولكن ليست كتلك التى فى المصارعة الاوليمبية. فأتباع يوستاثيوس صاحوا بصوت عالى وابتهجوا وقفزوا، بينما انطرح الاريوسيون. وامتلأ اودكسيوس وحزبه بالغم من هذا الحديث، وسعوا بحيلتهم الخبيثة لطرد مليتيوس من انطاكية.
(4/28/6) وعندما استدعوه بعد ذلك، وهم يظنون أنه قد تخلى عن مفاهيمه القديمة واعتنق المفاهيم الجديدة، ووجدوا أنه متمسك بالعقائد النيقاوية بثبات وبلا اهتزاز طردوه من الكنيسة، ونفوه بأمر الإمبراطور، وعُهِد بكرسى انطاكية إلى يوذيوس Euzoïusالذى كان قد نُفِى سابقا مع اريوس.
(4/28/7) وانفصل اتباع مليتيوس عن الاريوسيين وعقدوا اجتماعاتهم على انفراد لأن أولئك الذين حافظوا منذ البداية على أن الإبن مساوى فى الجوهر مع الآب قد رفضوا قبولهم فى الشركة، لأن مليتيوس كان قد سيم بواسطة اساقفة اريوسيين، ولأن أتباعه قد عُمِّدوا بواسطة كهنة اريوسيين؛ لذلك انفصلوا عنهم على الرغم من أنه كان لهم نفس الآراء.
(4/28/8) وإذ عَلِم الإمبراطور أن عصيانا مسلحا كان على وشك أن يثور فى فارس، توجه إلى انطاكية.

الكتاب الرابع: الفصل التاسع والعشرون
(استمرار حزب اكاكيوس فى السعى لإبطال مصطلح مساوى فى الجوهر، وتأكيد هرطقة اريوس)

(4/29/1) لم يكن حزب اكاكيوس قادرا على البقاء فى هدوء، لذلك اجتمعوا معا مع آخرين قليلين فى انطاكية وأدانوا المراسيم التى كانوا قد اصدروها، وقرروا حذف "مماثل" من الصيغة التى قرأوها فى ارمينيّم وفى القنسطنطينية. وأكدوا أن الإبن لا يماثل الآب لا فى الجوهر ولا فى أى شىء. وأنه صدر من لا وجود سابق([366]) كما علَّم اريوس فى البداية. وانضم إليهم اتيوس الذى كان أول من تجرأ بعد اريوس على الاعتراف جهرا بهذه الاراء، ولهذا دُعِى اتيوس ملحدا، ودُعِى مؤيدوه آنوميين Anomians. واكسوكونتانيين Exucontians.
(4/29/2) وعندما سأل المحافظون على العقائد النيقاوية الآكاكيين كيف يقولون أن الإبن لا يماثل الآب وأنه صدر من العدم بينما هو ثابت فى صيغتهم الخاصة أنه إله من إله؟. أجابوا أن الرسول بولس يصرح أن كل الأشياء هى من الله([367])، وبذا فالإبن مضمن فى اصطلاح كل الأشياء، وأنه بهذا المعنى وطبقا للأسفار المقدسة يلزم فهم التعبيرات التى فى صيغتهم[!!].
(4/29/3) هكذا كانت سفسطتهم ومرواغاتهم التى كانوا يمارسونها([368]). وأخيرا، إذ وجدوا أنفسهم غير قادرين على إحراز أى تقدم فى المجادلة لتبرير آرائهم فى مواجهة هؤلاء الذين يضغطون عليهم فى هذه النقطة، انسحبوا من الاجتماع بعد أن قُرِأت صيغة القنسطنطينية مرة ثانية، وعادوا إلى مدنهم.

الكتاب الرابع: الفصل الثلاثون
(جورج اسقف انطاكية ورئيس كهنة اورشليم، والثلاثة اساقفة خلفاء كيرلس على التوالى. استرداد كيرلس لكرسى اورشليم)

(4/30/1) فى خلال هذه الفترة، أُجبِر اثناسيوس على البقاء فى مخبأه. وعاد جورج إلى الأسكندرية، وبدأ اضطهادا قاسيا ضد الوثنيين وضد المسيحيين المختلفين معه فى الرأى. وأُجبِر الطرفين على تقديم العبادة بالطريقة التى أملاها هو. وأينما أُثِير اعتراض كان يُجبِرهم على الطاعة بالإكراه.
(4/30/2) وكان مكروها من الحُكام لأنه كان يزدرى بهم ويُعطِى أوامره للضباط. وأبغضه الجمهور لأنه كان طاغية، وكانت قوته أكبر من الباقين. ومقته حتى الوثنيون بأكثر من مقت المسيحيين له لأنه منعهم من تقديم الذبائح، ومن الاحتفال بأعيادهم السلفية ولأنه أدخل فى إحدى المرات حاكم مصر والقوات العسكرية إلى المدينة ودمَّر تماثيلهم وزخارف معابدهم ونذورهم. وكان ذلك فى الواقع سبب موته الذى سأذكره.([369])
(4/30/3) وعند عزل كيرلس حصل ايرنيوس Erennius على كنيسة اورشليم، وخلفه هيراكليوس، وبعد هيراكليوس، هيلاريوس. لأننا جمعنا من التقليد أنه فى خلال تلك الفترة أدار هؤلاء الأشخاص الكنيسة هناك إلى عهد ثيودوسيوس عندما استرد كيرلس مرة أخرى كرسيه.

أمر بمجمع من الإمبراطور قسطنطيوس فى أريمنيم (1) يجتمع فيه اساقفة الغرب كما أمر بإجتماع مجمع آخر  فى نيقوميديا فى بثينية بالشرق بحيث يجتمع فيه أساقفة الشرق ، ولكن زلازالا مروعاً خرب المدينة وهدم الكاتدرائية ومات أسقفها ، فتحولوا إلى نيقية القريبة ، ولكنها كانت فكرة غير مريحة فذهبوا إلى طرسوس فى كيليكيا فلم تكم مناسبة وأخيراً إجتمعوا فى سلوقيا فى مدينة أسبيرا Aspera عاصمة إيشوريا فى الشرق (3)

فى 27 سبتمبر سنة 359م / 16 توت فى نفس السنة التى إجتمع فيها مجمع أريمنيم ، وكان عدد اساقفة الشرق 160 أسقفاً .

وقال المؤرخ سلبيسبوس ساويرس 363 - 420 م : [ وكان هيلارى أسقف بواتيه لا يزال موجوداً فى بثينية مبتدئاً السنة الرابعة فى منفاة ، وقد أجبر على الحضور بأمر اللفتنانت ( أحد أثنين من رؤساء فريجيا) وامر الحاكم العام ، مع أن الإمبراطور لك يكن قد اعطى تعليمات تختص به ، ولكن كان القضاة يعملون بالأمر الصادر من الإمبراطور لجمع جميع الأساقفة بسلطة القانون لحضور المجمع ، ولكن كان هذا بتدبير من الإله لكى يكون حاضراً فى المجمع الذى سيناقش أمور الإيمان رجل مثل هذا متضلع فى أمور الإيمان ، وحينما وصل إلى سلوقيا قوبل من الأساقفة بحفاوة عظيمة وكان محط أنظار جميع الأساقفة .. وقد كان نصيراً وشاهداً لإيمان نيقية ، ودحض بدعة سابيليوس التى بمجرد ثلاث أسماء فى الثالوث لكى يضمن الوحدة فى الإله ، وكان مندوباً من الغرب شاهداً لصحة الإيمان ] (4)

وفى حضور ليوناس ضابط البلاط ولوريكوس رئيس فرق الجيش بدأ بعض الأساقفة يسالون عن اسباب الإتهامات التى وجهت لبعض الأساقفة مثل : كيرلس الورشليمى ويوستاثيوس أسقف سبسطية وباسيليوس أسقف أنقرة ، ومقدونيوس أسقف الفسطنطينية ، وهم الذين لم يحضروا المجمع ، وكذلك الشكاوى المقدمة ضد بعض الأساقفة ( الأريوسيين ومنهم أكاكيوس نفسه ) .

ولكن ألأوامر صدرت بالبدئ فى مناقشة أمور اللاهوت فقط ، خوفاً من إتهام الأساقفة المشكو فى حقهم بالأريوسية وكان قد حضر المشتكيين معهم من كنائسهم ، وهنا أنقسم المجمع إلى فريقين :

الأول : فريق أريوسى متطرف يريد فحص أمور الإيمان مباشرة ويقود هذا الفريق أكاكيوس أسقف قيصرية فلسطين ومعه جورج أسقف الأسكندرية المغتصب والدخيل ، ويورانيوس أسقف صور وأفدوكيوس أسقف أنطاكية ، وكان يناصرهم 32 أسقفاً !!

الثانى : وهو الفريق المضاد ويمثل أغلبية اساقفة المجمع وهم نصف أريوسيين ( يقترب من الأرثوذكسية ) ويرأسه جورج اسقف اللاذقية بسوريا ، وهذا كان يلح فى البدء بالمحاكمات .

بدأ فريق القلية يهاجم قانون نيقية علناً ، ويطالب بإصدار قانون آخر كامل يلغى كلمة " الهوموؤوسيون = المساوى " وكلمة " الهومويسيون = الشبيه " كلية وكلمة " ألأوسيا = الجوهر "

ولكن لم توافق كتلة الأغلبية وطالب بالحفاظ على كل ما جاء فى مجمع نيقية ما عدا اللفظ الشكلى لكلمة " الهوموؤوسيون = المساوى " على أن يوضع بديل لها .

وظلوا يتناقشون حتى المساء حينما وقف سلفانوس أسقف طرسوس وأعلن بحماس أنه ينبغى العودة إلى قانون مجمع التدشين الذى تم بأنطاكية سنة 341م .

وعند هذا إنسحب أكاكيوس ومن معه سراً ، وفى اليوم التالى قرر الأساقفة الباقون الموافقة على قانون مجمع التدشين ، ووقعوا عليه ، ووقع الشمامسة الحاضرون موضع الساقفة الغائبين (5)

أكاكيوس يحاول وضع قاتنون للإيمان

 وفى اليوم الثالث حضر الأساقفة الغائبين وأنتقدوا اعمال حزب أساقفة الأغلبية وقالوا : أنهم قفلوا ألبواب على أنفسهم وأمضوا بأسمائهم بدلاً منهم ، وأعتبروا ان هذا تعدى على قانون المجمع ، وأن القانون الذى وقع عليه والذى تم فى غيابهم يعد أمراً مشبوهاً .

وقد تعمد أكاكيوس إثارة هذه الإتهامات حتى يستطيع ان يدفعهم بالموافقة على قانون أعده بنفسه وكان قد عرضه على ليوناس ولوريكوس ضابط الإمبراطور ، وطلب معاونته على إقراره والتوقيع عليه بدلاً من القانون الذى وقع عليه اساقفة الأغلبية فى غيابهم .

وفى هذه الأثناء حضر باسيليوس أسقف أنقرة ومقدونيوس أسقف القسطنطينية وأنضموا غلى حزب الغلبية ، فلم يرضى أكاكيوس فأعلن انه لا ينبغى ان يحضر المجمع اساقفة متهمين قاصداً باسيليوس ومقدونيوس ، وبعد مناقشات حادة أستقر الرأى على إبعادهما .

ومرت فترة هدوء فى المجمع فبدا الضابط ليوناس يقرأ لهم مسودة أكاكيوس الكاملة لقانون الإيمان الجديد .

 وحدث نقاش عنيف وإضطرب المجمع ، وإنتهى بإسقاط اكاكيوس وتسعة من الأساقفة معه من كراسيهم ، كما قطعوا من الشركة تسعة آخرين لأسباب تختص بسلوكهم .

وإنفض المجمع ، ولكن إتجه الساقفة الذين اضيوا فى المجمع إلى القسطنطينية لمقابلة ألمبراطور قسطنطيوس للشكوى عند عودته من الغرب (6) وتبعهم وفد من الحزب المعتدل (حزب الوسط ) ليطلع الإمبراطور على قرارات مجمع  سلوقيا فى مدينة أسبيرا Aspera عاصمة إيشوريا فى الشرق
 

  *****************************************

المــــــــــــــــــــــــــــــراجع

(1) كتاب حقبة مضيئة فى تاريخ مصــر - بمناسبة مرور 16 قرناً على نياحته - القديس أثناسيوس الرسولى البابا العشرون 296 - 273 م سيرته , دفاعه عن الإيمان عند الأريوسيين , لاهوته - العلامة الروحانى الأب متى المسكين - عدد صفحاته 824 صفحة - الطبعة الثانية 2002 م  ص 54 ، ص 308

(2) الكنيسة القبطية الأرثوذكسية - كنيسة علم ولاهوت - طبعة تحضيرية 1986 م - القمص تادرس يعقوب ملطى

(3) Socrat. Ecc. Hist. II. 39.

(4) Sulp. Sever. Sacr. Hist. Book II. ch 42.

(5) Socrat. Ecc. Hist. II. 39.

(6) Socrat. Ecc. Hist. II. 40.

 

This site was last updated 11/20/17