**************************************************************************************************************
ويقول لمؤرخ العلامة جــــواد عــلى فى موضع آخر من كتاب المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام دار العلم للملايين ، بيروت ، الطبعة الثانية الجزء الثالث 1980م الفصل السبعون - أَصنام الكتابات
**************************************************************************************************************
الإله مقة الذى يرمز له بالقمر
[ وتعبد السبئيون للاله "المقه"، إلههم الكبير. ويعد في منزلة "ود" عند المعينيين، ويرمز إلى "القمر". وهو المقدم عندهم على سائر الآلهة. اليه تقرب "المكربون" والملوك بالأدعية والهدايا، واليه توسل الشعب في كل ملمة تنزل به. ونجد اسمه مدوناً في كثير من النصوص السبئية. بل تعبّد له أهل الحبشة كذلك، فنجد له معبداً عند "بحا" "يها". انتقلت عبادته اليهم من السبئيين الذين كان لهم نفوذ سياسي وثقافي على الساحل الافريقي المقابل لليمن، ويظهر أثر ذلك في الخط الحبشي حتى اليوم.
مقة تعنى الثاقب
وليس للعلماء رأي واضح صحيح في معنى"المقه"، ويرى "ايوالد" Ewald ان الكلمة من أصل "لمق"، وهي بمعنى "لمع"، فيكون للاسم - على ذلك -معنى اللمعان، ويمكن أن تكون كلمة "المقه" اذن، بمعنى "الثاقب" و "اللامع". وقد كان الجاهليون يقسمون بالنجوم الثاقبة، أي النجوم التي يتوقد ضياؤها ويتوهج. ورد في القران الكريم: ) والسماء والطارق، وما أدراك ما الطارق. النجم الثاقب (. وقال المفسرون: " النجم الثاقب، يعني يتوقد ضياؤه ويتوهج ". وذكروا أن العرب كانت " تسمي الثريا: ا انجم. ويقال إن الثاقب: النجم الذي يقال له زحل. والثاقب أيضاً الذي قد ارتفع على النجوم ". وقد ذهب " هومل" إلى ان "المقه"، إنما تعني "سيده". وذهب بعض الباحثين إلى إن اللفظة من "ال" "ايل"، اسم الإلهَ " "ايل" ا لشهير، المعروف عند جميع الساميين.ومن "مقهو" بمعنى"قوي، فيكون الاسم "ايل قوى"، " ال مقهو".
معبد المقة فى مأرب
وتدل روايات الأخباريين عن "المقه" على عدم وقوفهم على حقيقة هذه التسمية. فقد حاروا فيها، واضطربوا في أمرها، ولم يظهر أحد من بينهم من عرف حقيقتها. فصيرها بعضهم اسماً كل ت أسماء الملكة "بلقيس"، وصيرها بعض آخر مصنعة من مصانع الجن التي بنتها على عهد "سليمان"، وجعلها "الهمداني" الزهرة ؛ "لأن اسم الزهرة في لغة حمير: يلمقه والمق". ذكروا أن بناء "يلمقه" ظل قائماً باقياً إلى أيام غزو الحبشة لليمن، فهدموه. وإذا صحت رواية الهدم هذه، فلا يستبعد حينئذ أن يكون ذلك بسبب كونه معبداً وثنياً خصص بعبادة الأوثان،والأحباش نصارى سعوا لطمس الوثنية ونشر النصرانية في البلاد. ولعلّه أراد به معبد "المقه." بمأرب، فهدمه الحبش للاستفادة من أحجاره لبناء كنيستهم التي بنوها بهذه المدينة. وقد كان ذلك المعبد قد خصص بعبادة "المقه" إلهَ سبأ الكبير، فعرف ب ".المقه"، و "يلمقه" عند سواد الناس.
وقد حفظت لنا نصوص المسند أسماء جملة معابد خصصت بعبادة المقه، وللتمييز بينها ذكرت أسماء المواضع التي شيدت عليها تلك المعابد. ومن أشهرها معبد "المقه" الكبير بمدينة "مأرب"، المعروف بمعبد "المقه بعل اوم" "المقه بعل أوام"، وهو معبد لا تزال آثاره باقية، زارته ونقبت فيه بعثة "وندل فيلبس" الامريكية إلى اليمن. وتعرف بقايا هذا المعبد عند اًهل اليمن باسم "حرم بلقيس" و "محرم بلقيس". فأحل الدهر اسم امرأة محل اسم إلَه قديم كبير.
بعض النصوص التى جائت فيه أسم المقة
ووردت في بعض النصوص هذه الجملة: "المقه ثور بعل..." " ومعناها:"المقه ثور ربّ". أي "المقه الثور هو رب..." كما وردت جمل مثل: "المقه ثهون"، بمعنى: "المقه المتكلم". ومثل "المقه ثهون بعل اوم."، أي "المقه المتكلم ربّ أوم"،"أوام". ويظن أن المراد بذلك الكاهن المتكلم.باسم الرب "المقه". فقد كان لبعض المعابد كهنة، يزعمون أن الآلهة تتكلم فيها، ويقومون أنفسهم بدور الوساطة والترجمة. فإذا أراد شخص سؤال إلهه عن مشكلة يريد حلاً لها، أو عن قضية عويصهَ، أو عن سرقة وما شاكل ذلك، يذهب إلى المعابد المختصة، التي يزعم أن الالهة تجيب فيها، فيتقدم إلى الكاهن بنذر وبهدايا مناسبة، ثم يلقي سؤاله، فيظهر عندئذ صوت مسموع، يزعم أنه صوت الإلهَ اللي لا يرى،يجيب على للسؤال أو على الأسئلة، بما ينسب السؤال.
وكان يرسم المقة كثور أو نسر
وقد كنيّ عن "المقه" ب "ثور" في بعض الكتابات. ومما يؤيد أن المراد "بثور" هذا الإلَه، هو صورة رأس ثور في كثير من الكتابات، وهي ترمز اليه، كذلك رمز اليه بنسر وبصور الحيات. وهذه الصور من الرموز للدالة على الإلَه القمر عند قدماء الساميين. ويلاحظ أن أكثر الأوثان والصور "صلمن" التي كان الناس يقدمونها إلى معابد "المقه" وفاء لنذور نشإوها لها، اشتملت على صور ثبران، ويلاحظ كذلك أن الثيران، كانت من أكثر الحيوانات التي كان المتعبدون يقدمونها ذبائح لهذا الإلَه. وقد استنتج "دتلف نلسن" من هاتين الملاحظتين ومن تسمي أشخاص وأسر وعشائر وقبائل باسم "ثور"، أن الثور رمز يراد به هذا الإلهَ "المقه"، أي القمر.
"هوبس" "هبس"
وورد في النصوص السبئية اسم إلَه هو "هوبس" "هبس"، ورد منفرداً، وورد مع الإلَه "المقه". وقد قصد به الإله القمر. ومعنى "هوبس" على رأي "فرسنل" Fresnel اليابسة والجاف، وهو وصف للقمر. ويعلل ذلك بفعل القمر البارز في احداث الجزر حيث تنسحب المياه من الساحل مسافة إلى اابحر. وقد أشار "الهمداني" إلى أن اسم القمر "هيبس"، والظاهر ان هذه التسمية للقمر ظلت معروفة فيَ اليمن بعد الإسلام.
ووردت جملة "المقه ذ قِلم" في بعض النصوص ووردت "هوبس"، و "المقه ذ هوبس". بمعنى اليابس. وذكر بعض العلماء ان معنى ذلك "المقه" الذي يؤثر في المد والجزر، وذلك لما لاحظه المتعبدون له من وجود أثر له في احداث المد والجزر.
"هلل" بمعنى هلال، وب "ربع" و "حول"
وقد أشير اليه ب "هلل" بمعنى هلال، وب "ربع"، أي الربع الأول من الشهر، وب "حول"، بمعنى تمام الشهر، أي القمر كاملاً. ومن صفاته "سمع"، أي سميع.
و "عم" هو إلَه شعب قتيان الرئيس. وقد ورد اسمه مقروناً مع الإله "أنبي" في نصوص قتبانية عديدة. وهو يقابل الإلهَ ود عند المعينيين، والإله "المقه" عند السبئيين، والإله "سن" "سين" عند أهل حضرموت. فهو الإله القمر اذن عند القتبانيين.
وكلمة "عم" من الكلمات السامية القديمة الواسعة الانتشار عند الساميين. وقد ذكرت في نص يقدر انه كتب حوالي سنة "4500" قبل الميلاد وهي من كلمات عهد الأمومة، ثم صارت من المصطلحات الدينية مثل "ال" "ايل" E l و "بعل" Baal، و "ادون" " Adon، و "ملك" Malke وما شابهها من أسماء الألوهية: كانت نعتاً في الأصل من جملة النعوت التي كان يطلقها الساميون على آلهتهم، ثم جعلت علماً لإله.
وترد لفظة "أنبي" في الكتابات القتبانية علماً على إله ذكر هو القمر. وقد وردت بعد اسمه كلمة "شيمن"، ومعناها "الحامي" والحافظ، فورد "انبي شيمن"، أي "أنبي المحامي" و "أنبى الحافظ"، والمدافع عن المؤمنين به. فهو اذن في معنى "عم". ولا بد أن يكون لهذا النعت صفات بصفات هذا الإلهَ، أي انه اسم من أسماء الله الحسنى.