*******************************************************************************************************************************
الجزء التالى منقول (أ. هـ ) من كتاب : تاريخ الخلفاء المؤلف : عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي الناشر : مطبعة السعادة - مصر الطبعة الأولى ، 1371هـ - 1952م تحقيق : محمد محي الدين عبد الحميد عدد الأجزاء : 1
*************************************************
ما وقع من الأحداث زمن خلافة أبى بكر
و الذي وقع في أيامه من الأمور الكبار : تنفيذ جيش أسامة و قتال أهل الردة و ما نعي الزكاة و مسيلمة الكذاب و جمع القرآن
أخرج الإسماعيلي عن عمر رضي الله عنه قال : لما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم ارتد من ارتد من العرب و قالوا : نصلي و لا نزكي فأتيت أبا بكر فقلت : يا خليفة رسول الله تألف الناس و ارفق بهم فإنهم بمنزلة الوحش فقال : رجوت نصرتك و جئتني بخذلانك جبارا في الجاهلية خوارا في الإسلام بماذا عسيت أن أتألفهم ؟ بشعر مفتعل أو بسحر مفترى ؟ هيهات هيهات مضى النبي صلى الله عليه و سلم و انقطع الوحي و الله لأجاهدنهم ما استمسك السيف في يدي و إن منعوني عقالا قال عمر : فوجدته في ذلك أمضى مني و أحزم و آدب الناس على أمور هانت على كثير من مؤونتهم حين وليتهم
و أخرج أبو القاسم البغوي و أبو بكر الشافعي في فوائده و ابن عساكر عن عائشة رضي الله عنها قالت : لما توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم اشرأب النفاق و ارتدت العرب و انحازت الأنصار فلو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهاضها فما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بفنائها و فضلها قالوا : أين يدفن النبي صلى الله عليه و سلم ؟ فما وجدنا عند أحد من ذلك علما فقال أبو بكر : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ما من نبي يقبض إلا دفن تحت مضجعه الذي مات فيه قالت : و اختلفوا في ميراثه فما وجدوا عند أحد من ذلك علما فقال أبو بكر : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة
قال الأصمعي : الهيض : الكسر للعظم و الإشرئباب : رفع الرأس
قال بعض العلماء : و هذا أول اختلاف وقع بين الصحابة رضي الله عنهم فقال بعضهم : ندفنه بمكة بلده الذي ولد بها و قال آخرون : بل بمسجده و قال آخرون : بل بالبقيع و قال آخرون : بل في بيت المقدس مدفن الأنبياء حتى أخبرهم أبو بكر بما عنده من العلم
قال ابن زنجويه : و هذه سنة تفرد بها الصديق من بين المهاجرين و الأنصار و رجعوا إليه فيها و أخرج البيهقي و ابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : و الذي لا إله إلا هو لولا أن أبا بكر استخلف ما عبد الله ثم قال الثانية ثم قال الثالثة فقيل له : مه يا أبا هريرة فقال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم وجه أسامة بن زيد في سبعمائة إلى الشام فلما نزل بذي خشب قبض النبي صلى الله عليه و سلم و ارتدت العرب حول المدينة و اجتمع إليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا : رد هؤلاء توجه هؤلاء إلى الروم و قد ارتدت العرب حول المدينة ؟ فقال : و الذي لا إله إلا هو لو جرت الكلاب بأرجل أزواج النبي صلى الله عليه و سلم ما رددت جيشا وجهه رسول الله صلى الله عليه و سلم و لا حللت لواء عقده فوجه أسامة فجعل لا يمر بقبيل يريدون الارتداء إلا قالوا : لو لا أن لهؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم و لكن ندعهم حتى يلقوا الروم فلقوهم فهزموهم و قتلوهم و رجعوا سالمين فثبتوا على الإسلام
أخرج عن عروة قال : جعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول في مرضه : أنفذوا جيش أسامة فسار حتى بلغ الجرف فأرسلت إليه امرأته فاطمة بنت قيس تقول : لا تجعل فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم ثقل فلم يبرح حتى قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما قبض رجع إلى أبي بكر فقال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثني و أنا على غير حالكم هذه و أنا أتخوف أن تكفر العرب و إن كفرت كانوا أول من يقاتل و إن لم تكفر مضيت فإن معي سروات الناس و خيارهم فخطب أبو بكر الناس ثم قال : و الله لأن يخطفني الطير أحب إلي من أن أبدأ بشيء قبل أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فبعثه
قال الذهبي : لما اشتهرت وفاة النبي صلى الله عليه و سلم بالنواحي ارتدت طوائف كثيرة من العرب عن الإسلام و منعوا الزكاة فنهض أبو بكر الصديق لقتالهم فأشار عليه عمر و غيره أن يفتر عن قتالهم فقال : و الله لو منعوني عقالا أو عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم لقاتلتهم على منعها فقال عمر : كيف تقاتل الناس و قد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله فمن قالها عصم مني ماله و دمه إلا بحقها و حسابه على الله ؟ ] فقال أبو بكر : و الله لأقاتلن من فرق بين الصلاة و الزكاة فإن الزكاة حق المال و قد قال [ إلا بحقها ] قال عمر : فو الله ما هو إلا أن رأيت الله شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق أخرجه الشيخان و غيرهما
و عن عروة قال : خرج أبو بكر في المهاجرين و الأنصار حتى بلغ نقعا حذاء نجد و هربت الأعراب بذراريهم فكلم الناس أبا بكر و قالوا : ارجع إلى المدينة و إلى الذرية و النساء و أمر رجلا على الجيش و لم يزالوا به حتى رجع و أمر خالد بن الوليد و قال له : إذا أسلموا و أعطوا الصدقة فمن شاء منكم أن يرجع فليرجع و رجع أبو بكر إلى المدينة
و أخرج الدارقطني عن ابن عمر قال : لما برز أبو بكر و استوى على راحلته أخذ علي بن أبي طالب بزمامها و قال : إلى أين يا خليفة رسول الله ؟ أقول لك ما قال لك رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم أحد : شم سيفك و لا تفجعنا بنفسك و ارجع إلى المدينة فو الله لئن فجعنا بك لا يكون للإسلام نظام أبدا
وعن حنظلة بن علي الليثي أن أبا بكر بعث خالدا و أمره أن يقاتل الناس على خمس من ترك واحدة منهن قاتله كما يقاتل من ترك الخمس جميعا : على شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و صوم رمضان و حج البيت و سار خالد و من معه في جمادى الآخرة فقاتل بني أسد و غطفان و قتل من قتل و أسر من أسر و رجع الباقون إلى الإسلام و استشهد بهذه الواقعة من الصحابة عكاشة بن محصن و ثابت بن أقرم
و في رمضان من هذه السنة ماتت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم سيدة نساء العالمين و عمرها أربع و عشرون سنة
قال الذهبي : و ليس لرسول الله صلى الله عليه و سلم نسب إلا منها فإن عقب ابنته زينب انقرضوا قاله الزبير بن بكار و ماتت قبلها بشهر أم أيمن
وفي شوال مات عبد الله بن أبي بكر الصديق
ثم سار بجموعه إلى اليمامة لقتال مسيلمة الكذاب في أواخر العام و التقى الجمعان و دام الحصار أياما ثم قتل الكذاب لعنه الله قتله وحشي قاتل حمزة
و استشهد فيها خلق من الصحابة : أبو حذيفة بن عتبة و سالم مولى أبي حذيفة و شجاع بن وهب و زيد بن الخطاب و عبد الله بن سهل و مالك بن عمرو و الطفيل بن عمرو الدوسي و يزيد بن قيس و عامر بن البكير و عبد الله بن مخرمة و السائب بن عثمان بن مظعون و عباد بن بشر و معن بن عدي و ثابت بن قيس بن شماس و أبو دجانة سماك بن حرب و جماعة آخرون تتمة سبعين و كان لمسيلمة يوم قتل مائة و خمسون سنة و مولده قبل مولد عبد الله والد النبي صلى الله عليه و سلم
و في سنة اثني عشرة بعث الصديق العلاء بن الحضرمي إلى البحرين و كانوا قد ارتدوا فالتقوا بجواثي فنصر المسلمين و بعث عكرمة بن أبي جهل إلى عمان و كانوا قد ارتدوا و بعث المهاجر بن أبي أمية أهل النجير و كانوا قد ارتدوا و بعث زياد بن لبيد الأنصاري إلى طائفة من المرتدة و فيها مات أبو العاص بن الربيع زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم و الصعب بن جثامة الليثي و أبو مرثد الغنوي و فيها بعد فراغ قتال أهل الردة بعث الصديق رضي الله عنه خالد بن الوليد إلى أرض البصرة فغزا الأبلة فافتتحها و افتتح مدائن كسرى التي بالعراق صلحا و حربا و فيها أقام الحج أبو بكر الصديق ثم رجع فبعث عمرو بن العاص و الجنود إلى الشام فكانت وقعة أجنادين في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة و نصر المسلمون و بشر بها أبو بكر و هو بآخر رمق و استشهد بها عكرمة بن أبي جهل و هشام بن العاصي في طائفة
و فيها كانت وقعة مرج الصفر و هزم المشركون و استشهد بها الفضل بن العباس في طائفة