جارى العمل فى هذه الصفحة
مكان غزوة الطائف : مدينة مشورة تقع شرق جنوب مكة على مسافة 88 كلم عن طريق الهدا - وترتفع الطائف حوالى 1600 متر عن سطح البحر - وقد سلك جنود الإسلام طريق السيل تقريباً
الجزء التالى من كتاب السيرة النبوية - تأليف: عبد الملك بن هشام المعافري - المجلد الخامس - 98 / 116
تقسيم الفيء
قال ابن إسحاق : ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من رد سبايا حنين إلى أهلها ، ركب واتبعه الناس يقولون : يا رسول الله ، اقسم علينا فيئنا من الإبل والغنم ، حتى ألجئوه إلى شجرة ، فاختطفت عنه رداءه ؛ فقال : أدوا علي ردائي أيها الناس ، فوالله أن لو كان لكم بعدد شجر تهامة نعما لقسمته عليكم ، ثم ما ألفيتموني بخيلاً ولا جباناً ولا كذاباً ، ثم قام إلى جنب بعير ، فأخذ وبرة من سنامه ، فجعلها بين إصبعيه ، ثم رفعها ثم قال :
أيها الناس ، والله مالي من فيئكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس ، والخمس مردود عليكم ، فأدوا الخياط والمخيط ، فإن الغلول يكون على أهله عاراً وناراً وشناراً يوم القيامة .
قال : فجاء رجل من الأنصار بكبة من خيط شعر ، فقال : يا رسول الله أخذت هذه الكبة أعمل بها برذعة بعير لي دبر ، فقال :أما نصيبي منها فلك قال : أما إذا بلغت هذا فلا حاجة لي بها ، ثم طرحها من يده .
لا غلول في المغنم
قال ابن هشام :وذكر زيد بن أسلم عن أبيه :
أن عقيل بن أبي طالب دخل يوم حنين على امرأته فاطمة بنت شيبة بن ربيعة ، وسيفه متلطخ دماً ، فقالت : إني قد عرفت أنك قد قاتلت ، فماذا أصبت من غنائم المشركين ؟ فقال : دونك هذه الإبرة تخيطين بها ثيابك ، فدفعها إليها ، فسمع منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من أخذ شيئا فليرده ، حتى الخياط والمخيط .
فرجع عقيل ، فقال : ما أرى إبرتك إلا قد ذهبت ، فأخذها فألقاها في الغنائم .
إعطاء النبي المؤلفة قلوبهم من الغنائم
قال ابن إسحاق : وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم ، وكانوا أشرافاً من أشراف الناس ، يتألفهم ويتألف بهم قومهم ، فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة بعير ، وأعطى ابنه معاوية مائة بعير ، وأعطى حكيم بن حزام مائة بعير ، وأعطى الحارث بن الحارث بن كلدة أخا بني عبدالدار مائة بعير .
قال ابن هشام :نصير بن الحارث بن كلدة ويجوز أن يكون اسمه الحارث أيضاً .
قال ابن إسحاق : وأعطى الحارث بن هشام مائة بعير ، وأعطى سهيل ابن عمرو مائة بعير ، وأعطى حويطب بن عبدالعزى بن أبي قيس مائة بعير ، وأعطى العلاء بن جارية الثقفي حليف بني زهرة مائة بعير ، وأعطى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر مائة بعير ،وأعطى الأقرع بن حابس التميمي مائة بعير ،وأعطى مالك بن عوف النصري مائة بعير ، وأعطى صفوان بن أمية مائة بعير ، فهؤلاء أصحاب المئين .
وأعطى دون المائة رجالا من قريش ، منهم مخرمة بن نوفل الزهري ، وعمير بن وهب الجمحي ، وهشام بن عمرو أخو بني عامر بن لؤي ، لا أحفظ ما أعطاهم ، وقد عرفت أنها دون المائة ، وأعطى سعيد بن يربوع ابن عنكشة بن عامر بن مخزوم خمسين من الإبل ، وأعطى السهمي خمسين من الإبل ،
قال ابن هشام :واسمه عدي بن قيس .
شعر عباس بن مرداس يستصغر ما أعطى
قال ابن هشام :وأعطى عباس بن مرداس أباعر ، فسخطها فعاتب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عباس بن مرداس يعاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم :
كانت نهابا تلافيتها * بكري على المهر في الأجرع
وإيقاظي القوم أن يرقدوا * إذا هجع الناس لم أهجع
فأصبح نهبي ونهب العبيد * بين عيينة والأقرع
وقد كنت في الحرب ذا تدْرَإ * فلم أعط شيا ولم أمنع
إلا أفائل أعكيتها * عديد قوائمها الأربع
وما كان حصن ولا حابس * يفوقان شيخي في المجتمع
وما كنت دون امرئ منهما * ومن تضع اليوم لا يرفع
قال ابن هشام :أنشدني يونس النحوي .
فما كان حصن ولا حابس * يفوقان مرداس في المجتمع
إرضاء الرسول له
قال ابن إسحاق : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذهبوا به فاقطعوا عني لسانه ، فأعطوه حتى رضي . فكان ذلك قطع لسانه الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن هشام :وحدثني بعض أهل العلم :
أن عباس بن مرداس أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنت القائل :
فأصبح نهبي ونهب العبيـ * ـد بين الأقرع وعيينة
فقال أبو بكر الصديق : بين عيينة والأقرع ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هما واحد ، فقال أبو بكر : أشهد أنك كما قال الله: ( وما علمناه الشعر وما ينبغي له ) .
توزيع غنائم حنين على المبايعين من قريش :
قال ابن هشام :وحدثني من أثق به من أهل العلم في استشهاد له عن ابن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة ، عن ابن عباس ، قال : بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش وغيرهم ، فأعطاهم يوم الجعرانة من غنائم حنين .
من بني أمية بن عبد شمس : أبو سفيان بن حرب بن أمية ، وطليق بن سفيان بن أمية ، وخالد بن أسد بن أبي العيص بن أمية .
ومن بني عبدالدار بن قصي : شيبة بن عثمان بن أبي طلح بن عبد أتعزى بن عثمان بن عبدالدار ، وأبو السنابل بن أعكك بن الحارث بن عميلة بن السباق ، بن عبدالدار وعكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف ابن عبدالدار .
ومن بني مخزوم بن يقظة : زهير بن أبي أمية بن المغيرة ، والحارث بن هشام بن المغيرة ، وخالد بن هشام بن المغيرة ، وهشام بن الوليد بن المغيرة ، وسفيان بن الأسد بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ، والسائب بن أبي السائب بن عائذ بن عبدالله بن عمر بن مخزوم .
ومن بني عدي بن كعب : مطيع بن الأسود بن حارثة بن نضلة ، وأبو جهم بن حذيفة بن غانم .
ومن بني جمح بن عمرو : صفوان بن أمية بن خلف ، وأحيحة بن أمية ابن خلف ، وعمير بن وهب بن خلف .
ومن بني سهم : عدي بن قيس بن حذافة .
ومن بني عمر بن لؤي : حويطب بن عبدالعزى بن أبي قيس بن عبد ود ، وهشام بن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن حبيب .
ما أعطاه لرجال من أفناء القبائل :
ومن أفناء القبائل : من بني بكر بن مناة بن كنانة : نوفل بن معاوية بن عروة بن صخر بن رزن بن يعمر بن نفاثة بن عدي بن الديل .
ومن بني قيس ، ثم من بني عامر بن صعصعة ، ثم من بني كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة : علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب ، ولبيد بن ربيعة بن مالك بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب .
ومن بني عامر بن ربيعة : خالد بن هوذة بن ربيعة بن عمرو بن ربيعة ابن عامر بن صعصعة ، وحرملة بن هوذة بن ربيعة بن عمرو .
ومن بني نصر بن معاوية مالك بن عوف بن سعيد بن يربوع
ومن بني سليم بن منصور : عباس بن مرداس بن أبي عامر ، أخو بني الحارث بن بهثة بن سليم .
ومن بني غطفان ، ثم من بني فزارة : عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر .
ومن بني تميم ثم من بني حنظلة : الأقرع بن حابس بن عقال ، من بني مجاشع بن دارم .
لماذا لم يعط جعيل بن سراقة :
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي :
أن قائلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه : يا رسول الله ، أعطيت عيينة بن حصن ، والأقرع بن حابس مائة مائة ، وتركت جعيل بن سراقة الضمري !
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما والذي نفس محمد بيده لجعيل بن سراقة خير من طلاع الأرض ، كلهم مثل عيينة بن حصن والأقرع بن حابس ، ولكني تألفتهما ، ووكلت جعيل بن سراقة إلى إسلامه .
اعتراض ذي الخويصرة المنافق على قسمته صلى الله عليه وسلم :
قال ابن إسحاق : وحدثني أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر ، عن مقسم أبي القاسم ، مولى عبدالله بن الحارث بن نوفل ، قال :
خرجت أنا وتليد بن كلاب الليثي ، حتى أتينا عبدالله بن عمرو بن العاص وهو يطوف بالبيت معلقا نعله بيده ، فقلنا له هل حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كلمه التميمي يوم حنين ؟ قال : نعم ، جاء رجل من بني تميم ، يقال له ذو الخويصرة ، فوقف عليه وهو يعطي الناس ، فقال : يا محمد قد رأيت ما صنعت في هذا اليوم ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أجل فكيف رأيت ؟ فقال : لم أرك عدلت ، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال : ويحك إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون !
فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ألا أقتله ؟ فقال : لا دعه فإنه سيكون له شيعة يتعمقون في الدين ، حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية ينظر في النصل ، فلا يوجد شيء ، ثم في القدح ، فلا يوجد شيء ،ثم في القدح ، فلا يوجد شيء ثم في الفوق ، فلا يوجد شيء سبق الفرث والدم .
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن علي بن الحسين أبو جعفر بمثل حديث أبي عبيدة ، وسماه ذا الخويصرة .
قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالله بن أبي نجيح عن أبيه ، بمثل ذلك .
شعر حسان بن ثابت في حرمان الأنصار :
قال ابن هشام :ولما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى في قريش وقبائل العرب ، ولم يعط الأنصار شيئاً ، قال حسان بن ثابت يعاتبه في ذلك
زادت هموم فماء العين منحدر * سحا إذا حفلته عبرة درر
وجداً بشماء إذ شماء بهكنة * هيفاء لا دنس فيها ولا خور
دع عنك شماء إذ كانت مودتها * نزرا وشر وصال الواصل النزر
وأت الرسول فقل يا خير مؤتمن * للمؤمنين إذا ما عدد البشر
علام تدعى سليم وهي نازحة * قدام قوم هم آووا وهم نصروا
سماهم الله أنصارا بنصرهم * دين الهدى وعوان الحرب تستعر
وسارعوا في سبيل الله اعترفوا * للنائبات وما خاموا وما ضجروا
والناس ألب علينا فيك ليس لنا * إلا السيوف أطراف القنا وزر
نخالد الناس لا نبقي على أحد * ولا نضيع من توحي به السور
ولا تهمر جناة الحرب نادينا * ونحن حين تلظى نارها سعر
كما رددنا ببدر دون ما طلبوا * أهل النفاق وفينا ينل الظفر
ونحن جندك يوم النعف من أحد * إذ حربت بطرا أحزابها مضر
فما ونينا وما خمنا وما خبروا * منا عثارا وكل الناس قد عثروا
وجد الأنصار من حرمانهم واسترضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم :
قال ابن هشام :حدثني زياد بن عبدالله ،قال : حدثنا ابن إسحاق قال : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد ، عن أبي سعيد الخدري قال :
لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى من تلك العطايا ، في قريش وفي قبائل العرب ، ولم يكن في الأنصار منها شيء ، وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم ، حتى كثرت منهم القالة حتى قال قائلهم : لقي والله رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه .
عتاب النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار :
فدخل عليه سعد بن عبادة ، فقال : يا رسول الله ، إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم ، لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت ، قسمت في قومك ، وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب ، ولم يكن في هذا الحي من الأنصار منها شيء .
قال : فأين أنت من ذلك يا سعد ؟ قال : يا رسول الله ، ما أنا إلا من قومي . قال : فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة .
قال : فخرج سعد ، فجمع الأنصار في تلك الحظيرة . فجاء رجال من المهاجرين فتركهم ، فدخلوا ، وجاء آخرون فردهم .
فلما اجتمعوا له أتاه سعد ، فقال : قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار ، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال :
يا معشر الأنصار ، ما قاله بلغني عنكم ، وجدة وجدتموها علي في أنفسكم ؟ ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله ، وعالة فأغناكم الله ، وأعداء فألف الله بين قلوبكم !
قالوا : بلى ، الله ورسوله أمن وأفضل .
ثم قال : ألا تجيبونني يا معشر الأنصار ؟
قالوا : بماذا نجيبك يا رسول الله ؟ الله ولرسوله المن والفضل .
قال صلى الله عليه وسلم : أما والله لو شئتم لقلتم ، فلصدقتم ولصدقتم : أتيتنا مكذباً فصدقناك ، ومخذولاً فنصرناك ، وطريداً فآويناك وعائلاً فآسيناك ، أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا ، ووكلتكم إلى إسلامكم .
ألا ترضون يا معشر الأنصار ، أن يذهب الناس بالشاة والبعير ، وترجعوا برسول الله إلى رحالكم ؟ فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ، ولو سلك الناس شعباً وسلكت الأنصار شعبا ، لسلكت شعب الأنصار . اللهم ارحم الأنصار ، وأبناء الأنصار ، وأبناء أبناء الأنصار .
قال : فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم ، وقالوا رضينا برسول الله قسماً وحظاً ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتفرقوا .