جارى العمل فى هذه الصفحة
الجزء التالى من كتاب السيرة النبوية - تأليف: عبد الملك بن هشام المعافري - المجلد الخامس - 104 / 116
قصة عامر بن الطفيل وأربد بن قيس في الوفادة عن بني عامر
رؤساء الوفد :
وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني عامر ، فيهم عامر بن الطفيل وأربد بن قيس بن جزء بن خالد بن جعفر ، وجبار بن سلمى بن مالك بن جعفر ، وكان هؤلاء الثلاثة رؤساء القوم وشياطينهم .
عامر يدبر الغدر بالرسول :
فقدم عامر بن الطفيل عدو الله ، على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يريد الغدر به ، وقد قال له قومه : يا عامر ، إن الناس قد أسلموا فأسلم ، قال : والله لقد كنت آليت أن لا أنتهي حتى تتبع العرب عقبي ، أفأنا أتبع عقب هذا الفتى من قريش ! ثم قال لأربد : إذا قدمنا على الرجل ، فإني سأشغل عنك وجهه ، فإذا فعلت ذلك فاعله بالسيف .
فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال عامر بن الطفيل : يا محمد ، خالني ، قال : لا والله ، حتى تؤمن بالله وحده ، قال : يا محمد ، خالني ، وجعل يكلمه وينتظر من أربد ما كان أمره به فجعل أربد لا يخير شيئاً ، قال : فلما رأى عامر ما يصنع أربد ، قال : يا محمد خالني ، قال : لا حتى تؤمن بالله وحده لا شريك له .
فلما أبي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أما والله لأملأنها عليك خيلاً ورجالاً .
فلما ولي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم اكفني عامر بن الطفيل .
فلما خرجوا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عامر لأربد : ويلك يا أربد ! أين ما كنت أمرتك به ؟ والله ما كان على ظهر الأرض رجل هو أخوف عندي على نفسي منك ، وأيم الله لا أخافك بعد اليوم أبداً ، قال : لا أبا لك ! لا تعجل علي ، والله ما هممت بالذي أمرتني به من أمره إلا دخلت بيني وبين الرجل ، حتى ما أرى غيرك أفأضربك بالسيف ؟ .
موت عامر بدعاء الرسول عليه :
وخرجوا راجعين إلى بلادهم ، حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله على عامر بن الطفيل الطاعون في عنقه ، فقتله الله في بيت امرأة من بني سلول ، فجعل يقول : يا بني عامر ، أغدة كغدة البكر في بيت امرأة من بني سلول ! .
قال ابن هشام :ويقال أغدة كغدة الإبل ، وموتا في بيت سلولية ! .
موت أربد بصاعقة
قال ابن إسحاق : ثم خرج أصحابه حين واروه ، حين قدموا أرض بني عامر شاتين ، فلما قدموا أتاهم قومهم ، فقالوا : ما وراءك يا أربد ؟
قال : لا شيء والله ، لقد دعانا إلى عبادة شيء لوددت أنه عندي الآن ، فأرميه بالنبل حتى أقتله ، فخرج بعد مقالته بيوم أو يومين معه جمل له يتبعه ، فأرسل الله تعالى عليه وعلى جمله صاعقة فأحرقتهما .وكان أربد بن قيس أخا لبيد بن ربيعة لأمه .
ما نزل في عامر وأربد
قال ابن هشام : وذكر زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن ابن عباس قال : وأنزل الله عز وجل في عامر وأربد ( الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد ) إلى قوله : ( وما لهم من دونه من وال ) .
قال : المعقبات هي من أمر الله يحفظون محمداً ، ثم ذكر أربد وما قتله الله به فقال : ( ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء ) إلى قوله : ( شديد المحال ) .
شعر لبيد في بكاء أربد :
قال ابن إسحاق : فقال لبيد يبكي أربد :
ما إن تعدى المنون من أحد * لا والد مشفق ولا ولد
أخشى على أربد الحتوف ولا * أرهب نوء السماك والأسد
فعين هلا بكيت أربد إذ * قمنا وقام النساء في كبد
إن يشغبوا لا يبال شغبهم * أو يقصدوا في الحكوم يقتصد
حلو أريب وفي حلاوته * مر لطيف الأحشاء والكبد
وعين هلا بكيت أربد إذ * ألوت رياح الشتاء بالعضد
وأصبحت لاقحا مصرمة * حتى تجلت غوابر المدد
أشجع من ليث غابة لحم * ذو نهمة في العلا ومنتقد
لا تبلغ العين كل نهمتها * ليلة تمسي الجياد كالقدد
الباعث النوح في مآتمه * مثل الظباء الأبكار بالجرد
فجعني البرق والصواعق بالفارس * يوم الكريهة النجد
والحارب الجابر الحريب إذا * جاء نكيبا وإن يعد يعد
يعفو على الجهد والسؤال كما * ينبت غيث الربيع ذو الرصد
كل بني حرة مصيرهم * قل وإن أكثرت من العدد
إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا * يوما وإن فهم للهلاك والنفد
قال ابن هشام :بيته ( والحارب الجابر الحريب ) عن أبي عبيدة ، وبيته ( يعفو على الجهد ) عن غير ابن إسحاق .
قال ابن إسحاق : وقال لبيد أيضا يبكي أربد :
ألا ذهب المحافظ والمحامي * ومانع ضيمها يوم الخصام
وأيقنت التفرق يوم قالوا * تقسم مال أربد بالسهام
تطير عدائد الأشراك شفعا * ووترا والزعامة للغلام
فودع بالسلام أبا حريز * وقل وداع أربد بالسلام
وكنت إمامنا ولنا نظاما * وكان الجزع يحفظ بالنظام
وأربد فارس الهيجا إذ ما * تقعرت المشاجر بالفئام
إذا بكر النساء مردفات * حواسر لا يجئن على الخدام
فواءل يوم ذلك من أتاه * كما وأل المحل إلى الحرام
ويحمد قدر أربد من عراها * إذا ما ذم أرباب اللحام
وجارته إذا حلت لديه * لها نفل وحظ من سنام
فإن تقعد فمكرمة حصان * وإن تظعن فمحسنة الكلام
وهل حدثت عن أخوين داما * على الأيام إلا ابني شمام
وإلا الفرقدين وآل نعش * خوالد ما تحدث بانهدام
قال ابن هشام :وهي في قصيدة له .
قال ابن إسحاق : وقال لبيد أيضا يبكي أربد :
انع الكريم للكريم أربدا * انع الرئيس واللطيف كبدا
يحذي ويعطي ماله ليحمدا * أدما يشبهن صوارا أبداً
السابل الفضل إذا ما عددا * ويملأ الجفنة ملئا مددا
رفها إذا يأتي ضريك وردا * مثل الذي في الغيل يقرو جمدا
يزداد قربا منهم أن يوعدا * أورثتنا تراث غير أنكدا
غبا ومالا طارفا وولدا * شرخا صقورا يافعا وأمردا
وقال لبيد أيضا :
لن تفنيا خيرات أربد * فابكيا حتى يعودا
قولا هو البطل المحامي * حين يكسون الحديدا
ويصد عنا الظالمين * إذا لقينا القوم صيدا
فاعتاقه رب البرية * إذ رأى أن لا خلودا
فثوى ولم يوجع ولم * يوصب وكان هو الفقيد
وقال لبيد أيضا:
يذكرني بأربد كل خصم * ألد تخال خطته ضرارا
إذا اقتصدوا فمقتصد كريم * وإن جاروا سواء الحق جارا
ويهدي القوم مطلعا إذا ما * دليل القوم بالموماة حارا
قال ابن هشام :أخرها بيتا عن غير ابن إسحاق :
قال ابن إسحاق : وقال لبيد أيضا :
أصبحت أمشي بعد سلمي بن مالك * وبعد أبي قيس وعروة كالأجب
إذا ما رأى ظل الغراب أضجه * حذارا على باقي السناسن والعصب
قال ابن هشام :وهذان البيتان في أبيات له .
قدوم ضمام بن ثعلبة وافدا عن بني سعد بن بكر
قال ابن إسحاق : وبعث بنو سعد بن بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا منهم يقال له ضمام بن ثعلبة
إسلامه :
قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن الوليد بن نويفع عن كريب ، مولى عبدالله بن عباس ، عن ابن عباس قال :
بعثت بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقدم عليه وأناخ بعيره على باب المسجد ، ثم عقله ، ثم دخل إلى المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه .
وكان ضمام رجلاً جلداً أشعر ذا غديرتين ، فأقبل حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه ، فقال : أيكم ابن عبدالمطلب قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا ابن عبدالمطلب .
قال : أمحمد ؟ قال : نعم . قال : ياابن عبدالمطلب ، إني سائلك ومغلظ عليك في المسألة ، فلا تجدن في نفسك ، قال : لا أجد في نفسي ، فسل عما بداً لك
قال : أنشدك الله ، إلهك وإله من كان قبلك ، وإله من كائن بعدك ، آلله بعثك إلينا رسولا ؟ قال : اللهم نعم .
قال : فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك ، وإله من هو كائن بعدك ، آلله أمرك أن تأمرنا أن نعبده وحده لا نشرك به شيئا ، وأن نخلع هذه الأنداد التي كان آباؤنا يعبدون معه ؟ قال : اللهم نعم .
قال : فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك ، وإله من هو كائن بعدك ، آلله أمرك أن تصلى هذه الصلوات الخمس ؟ قال : اللهم نعم .
قال : ثم جعل يذكر فرائض الإسلام فريضة فريضة : الزكاة والصيام والحج وشرائع الإسلام كلها ، ينشده عند كل فريضة منها كما ينشده في التي قبلها ، حتى إذا فرغ ، قال : فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ، وسأؤدي هذه الفرائض ، وأجتنب ما نهيتني عنه ، ثم لا أزيد ولا أنقص ، ثم انصرف إلى بعيره راجعاً .
قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن صدق ذو العقيصتين دخل الجنة .
دعوة قومه للإسلام
قال فأتى بعيره فأطلق عقاله ، ثم خرج حتى قدم على قومه ، فاجتمعوا إليه ، فكان أول ما تكلم به أن قال : بئست اللات والعزى ! قالوا : مه ، يا ضمام اتق البرص ، اتق الجنون ، قال : ويلكم إنهما والله لا يضران ولا ينفعان ، إن الله قد بعث رسولاً ، وأنزل عليه كتاباً استنقذكم به مما كنتم فيه ، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وقد جئتكم من عنده بما أمركم به ، وما نهاكم عنه ، قال : فوالله ما أمسى من ذلك اليوم في حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلماً .
قال : يقول عبدالله بن عباس : فما سمعنا بوافد قدم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة .
======================================================================