Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

وزارة حسين سري باشا الثانية

 هناك فى صفحة خاصة أسمها صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات وصمم الموقع ليصل إلى 30000 موضوع مختلف فإذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس لتطلع على ما تحب قرائته فستجد الكثير هناك -

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

لم ننتهى من وضع كل الأبحاث التاريخية عن هذا الموضوع والمواضيع الأخرى لهذا نرجوا من السادة القراء زيارة موقعنا من حين لآخر - والسايت تراجع بالحذف والإضافة من حين لآخر - نرجوا من السادة القراء تحميل هذا الموقع على سى دى والإحتفاظ به لأننا سنرفعه من النت عندما يكتمل

Home
Up
السياسى  مكرم عبيد باشا
فاروق والنحاس باشا
وزارة حسين سري باشا
إقالة النحاس

Hit Counter

 

جريدة الأهرام 28/9/2007م السنة 132 العدد  عن مقالة بعنوان [  ديوان الحياه المعاصرة - وزارة تأدية واجب‏!!‏ ] بقلم المؤرخ بقلم‏:‏ د‏.‏ يونان لبيب رزق - الحلقه‏702‏
في تاريخ مجلس الوزراء المصري الذي بدأ في عصر أواخر إسماعيل بقيام الهيئة النظارية في أغسطس عام‏1878‏ ظهرت وحدات وزارية وزالت بعد وقت‏,‏ لكن لم نجد منها وزارة لم تلبث أن اختفت بعد نصف عام من ظهورها سوي وزارة‏'‏ الوقاية المدنية‏',‏ التي كانت إحدي الوزارات التي ضمتها وزارة حسين سري باشا الثانية التي تألفت في‏31‏ يوليو‏1941‏ واستقالت في‏4‏ فبراير من العام التالي‏,‏ أي أنها لم تعش سوي ستة أشهر وأربعة أيام بالضبط‏.‏
ولقد اخترنا أن نصفها بوزارة‏'‏ تأدية الواجب‏'‏ لأنها ولدت في ظروف غير طبيعية واختفت في ظروف قلما تحدث في تاريخ الوزارات‏..‏
‏*‏ ولدت وزارة‏'‏ الوقاية المدنية‏'‏ في ظروف الحرب العالمية الثانية واشتداد غارات طائرات المحور علي المدن المصرية وإلحاح الحاجة لوقاية المدنيين من أخطار هذه الغارات‏,‏ والتي بدأت بداية محدودة بإنشاء مصلحة بهذا الاسم تابعة لوزارة الأشغال‏,‏ وإسناد بعض أعمال الوقاية لوزارة الداخلية‏,‏ هذا بالإضافة طبعا لدور وزارة الدفاع الوطني‏,‏ غير أنه مع تعاظم مخاطر هذه الغارات رؤي أن تقوم الوزارة الجديدة بكل هذه الأعمال‏,‏ وهي علي أي الأحوال ظروف مؤقتة مرهون استمرارها ليس باستمرار الحرب‏,‏ وإنما باشتداد الغارات الجوية الناجمة عن هذه الحرب‏.‏
‏*‏ جاء ميلاد وزارة‏'‏ تأدية الواجب‏'‏ في ظروف تحالفات حزبية‏,‏ فبعد أن لقيت الوزارة السابقة‏,‏ التي كان يرأسها حسين سري باشا أيضا‏,‏ بعض المتاعب من وجود السعديين خارجها رغم أنهم كانوا يشكلون قوة برلمانية مهمة‏,‏ وبعد أن زادت هجمات الوفد علي الوزارة كان مطلوبا إعادة تشكيلها ليدخلها هؤلاء‏,‏ وحتي تتم القسمة التي ترضي جميع الأطراف‏,‏ تفتق ذهن المسئولين في القصر الذين كانت تلك الوزارات تتمتع برعايته‏
علي أن يعيد حسين سري باشا تأليف وزارته حتي تضم هؤلاء‏,‏ ولما كانت الهيئة الوزارية السابقة تتألف من أربع عشرة وزارة فقد تقرر أن تتألف الوزارة الجديدة من خمس عشرة حتي تقبل القسمة علي ثلاثة‏..‏ للمستقلين الذين يمثلهم رئيس الوزراء الثلث الأول‏,‏ وللأحرار الدستوريين الثلث الثاني‏,‏ وأخيرا للسعديين الثلث الأخير‏.‏ ومن ثم تشكلت الوزارة الجديدة علي هذا النحو لسبب مؤقت فرضته العلاقات الحزبية‏,‏ ورغبة القصر في تقويتها‏,‏ وكان من الطبيعي أن تختفي باختفائه‏!‏
‏*‏ وكما ظهرت وزارة‏'‏ الوقاية المدنية‏'‏ في ظروف غير طبيعية فقد اختفت في ظروف مماثلة فيما حدث يوم‏4‏ فبراير الشهير‏1942‏ حين وجه السير مايلز لامبسون إنذاره الشهير للملك فاروق لدعوة زعيم حزب الأغلبية مصطفي النحاس باشا لتأليف وزارة جديدة‏,‏ وأذعن‏'‏ جلالة الملك‏',‏ واضطر حسين سري أن يقدم استقالته وتألفت الوزارة الجديدة‏,‏ النحاسية الخامسة‏,‏ فقد اختفت مع تلك التطورات الأسباب التي أدت إلي ظهور وزارة‏'‏ الوقاية المدنية‏'‏ وانقصف عمرها علي هذا النحو الدرامي بعد وقت قصير من ولادتها‏,‏ فقد كانت مولودا سفاحا‏!‏
‏*‏ وقد بدأت فكرة وقاية المدنيين المصريين من الغارات عام‏1940‏ بعد دخول إيطاليا الحرب إلي جانب ألمانيا‏,‏ وأصبح لطائرات المحور مطارات قريبة في ليبيا المتاخمة للأراضي المصرية لتنطلق منها في غاراتها علي تلك الأراضي‏,‏ ولما دارت فكرة وقاية المصريين من الغارات في بداية الأمر حول بناء المخابئ العمومية‏,‏ فقد تولت وزارة الأشغال العمومية المهمة فأسست مصلحة الوقاية التي تولي إدارتها عبد السلام محمود بك‏,‏ والتي أنشأت مدرسة للمتطوعين في حلمية الزيتون تفيدنا الأهرام في أوائل مارس‏1941‏ أنها قد تمكنت من تخريج‏1881‏ متطوعا‏,‏ من بينهم‏58‏ سيدة‏,‏ وقد صنفت جريدتنا هؤلاء المتخرجين فكان أغلبهم من المهندسين‏(367)‏ يليهم العسكريون‏(301)‏ بعدهم الأطباء‏(244),‏ فضلا عن أعداد من المدرسين والصحفيين والكيميائيين‏.‏
الاهرام فى 2/8/1941
هذا ولما كانت غارات طائرات المحور قد تعاظمت خلال الشهور الأولي من عام‏1941‏ وتعقدت شئون الوقاية المدنية فقد تألفت لجنة وزارية لهذه الشئون شارك وزير الأشغال فيها كل من وزيري المالية والدفاع واستعانت بأحد كبار ضباط القوات البريطانية في الشرق الأوسط‏,‏ عقدت أول اجتماعاتها في أواخر مايو من ذلك العام‏.‏
ونتبين من جدول أعمال هذه اللجنة طبيعة تعقد المشكلة‏..‏
*‏ فهي قد بحثت فيما يترتب علي الغارات من حرائق أو تهدم بعض المباني والإجراءات اللازمة لمواجهة مثل تلك المظاهر‏..‏ سرعة إطفاء الحرائق أو جمع الأنقاض التي تترتب عن المباني المهدمة‏.‏
‏*‏ طلب زيادة المخابئ العامة التي تقوم وزارة الأشغال ببنائها‏,‏ وتنظيم الإشراف عليها‏,‏ والإسراع في نفس الوقت إلي إنشاء المخابئ الخاصة علي نفقة أصحاب المساكن‏.‏
وتقرر تقديم تسهيلات لهؤلاء ممن يبدون رغبة حقيقية في بناء المخابئ الخاصة بإعفائهم من القيود التي فرضت وقتئذ علي الحصول علي مواد البناء‏'‏ فرأت أن تعفي من التبعات التي تضمنها القرار الخاص بإنشاء المخابئ كل مالك يثبت حسن نيته ورغبته الصادقة في بناء مخبأ‏,‏ بأن يبدأ في بنائه قبل منتصف شهر يونيو‏1941‏ أو يتعهد بإقامته علي أثر توافر الوسائل له‏'.‏
‏*‏ استعانت اللجنة بآراء الضابط البريطاني الكبير ومن معه في التعرف علي أكثر الأماكن تعرضا للغارات وأحوجها إلي الإكثار من المخابئ ووسائل الوقاية‏,‏ ووقفت علي ما أبداه من ملاحظات فنية في هذا الصدد

***‏

وبدأت الخطوات التنفيذية التي نالت فيها الإسكندرية النصيب الأكبر من اهتمام المصلحة بحكم أنها كانت المدينة الأكثر تعرضا للغارات الجوية خلال تلك الفترة التي كانت تتحرك فيها قوات المحور بعد استيلائها علي السلوم متجهة إلي العلمين‏.‏
فقد تشكلت لجنة فرعية للوقاية في المدينة برئاسة المحافظ محمد حسين باشا وكان من أول أعمالها زيادة قوة الإنقاذ في حوادث الغارات كي تتمكن من القيام بالواجب المفروض عليها في المدينة وفي منطقة الميناء الغربي‏,‏ وإشراك الموظفين والمستخدمين في الدوائر الإدارية الرسمية في المعاونة في إطفاء القنابل المحرقة عند الحاجة‏,‏ بحثهم علي التدريب علي طرق إطفاء الحرائق التي يحدثها هذا النوع من القنابل ويبدو أن بعضا من جمهور الإسكندرية كان يستخدم المخابئ في غير الأغراض المخصصة لها‏,‏ فتقرر منع الدخول إليها ليلا إلا بعد انطلاق صفارات الإنذار بوقوع غارة جوية‏.‏
وصدرت في نفس الوقت التعليمات إلي إدارة تفتيش المباني بالإسكندرية تقضي بإنشاء‏47‏ مخبأ جديدا وذلك بعد الانتهاء من بناء المخابئ الثلاثة التي كانت قد أقيمت في أبي قير‏,‏ بحيث يكون المشروع المنوط تنفيذه مشتملا علي إنشاء خمسين مخبأ‏,‏ يتسع كل منها لنحو‏75‏ شخصا‏,‏ وقدرت تكاليف حماية كل شخص بمبلغ‏75‏ جنيها‏.‏
جاءت بورسعيد في المرتبة التالية من الاهتمام بالثغور بعد الإسكندرية‏,‏ فتم إنشاء نحو‏65‏ مخبأ‏,‏ ويذكر مراسل الأهرام في المدينة أنه تتوفر فيها وسائل التهوية وأسباب الراحة‏,‏ ولما كانت تلك المدينة الساحلية المبنية علي الطراز الفرنسي تشتهر بـ‏'‏ البواكي‏',‏ فقد تقرر استخدامها كمخابئ‏'‏ وهي تتسع لإيواء بضعة آلاف وقت الحاجة‏'.‏
شغلت حماية المؤسسات جانبا آخر من اهتمام القائمين علي المصلحة الجديدة الذين وجهوا عناية خاصة للبرلمان الذي قد يتعرض للضرب من الطائرات المعادية في أوقات اجتماع أعضائه‏,‏ سواء في مجلس الشيوخ أو في مجلس النواب‏,‏ فيحدث ما لا يحمد عقباه‏,‏ الأمر الذي وصل إلي تشكيل لجنة خاصة لحماية المبني برئاسة السكرتير العام لمجلس الشيوخ‏,‏ فعاينت الأماكن التي تصلح للمنشئات الوقائية وأعدت تقريرين بتوصياتها للعرض علي رئيسي المجلسين‏.‏
من هذه التوصيات التبكير في عقد الجلسات بحيث تنتهي قبل منتصف الساعة التاسعة مساء‏,‏ ومنها إنشاء فرق للإنقاذ والمراقبة تؤلف من موظفي المجلس‏,‏ ومنها اتخاذ قاعة مجلس الشيوخ والبهو الفرعوني بمجلس النواب وبوفيه مجلس الشيوخ مخابئ عند وقوع الغارات‏,‏ ومنها حماية مباني البرلمان من الخارج بأكياس الرمل‏,‏ وقد أشارت اللجنة أخيرا بوجوب قطع التيار الكهربائي وإغلاق المحبس الرئيسي للمياه عند وقوع أية غارة والاستعانة بالبطاريات الكهربائية اليدوية في الإشراف علي النظام‏.‏
ويبدو أن طائرات المحور قد استخدمت في غاراتها القنابل المحرقة لما تسببه من إزعاج شديد للمدنيين‏,‏ الأمر الذي دعا مصلحة الوقاية المدنية أن تولي اهتماما خاصا لمقاومة هذا النوع من القنابل‏,‏ فأصدرت بيانا جاء فيه أنه لاتقاء خطرها علي أصحاب المنازل إخلاء الأسطح من أي مواد قابلة للاحتراق‏,‏ كما نصحتهم بضرورة وضع جاروف وثلاث جرادل أو صفائح مملوءة بالرمل لاستخدامها عند الحاجة لإطفاء الحرائق الناجمة عن هذه القنابل قبل أن تمتد إلي سائر أنحاء المنزل‏.‏
أما كيفية إبطال مفعول هذه القنابل فبالإسراع بإلقاء الرمل بالجاروف علي مكان سقوطها ثم توضع إحدي الصفائح المليئة بالرمل عليها وتغطي بكمية أخري منه وتنقل بعد ذلك إلي منطقة فضاء بعيدة عن المساكن‏,‏ وزيادة في الإيضاح تم إعداد شريط سينمائي يوضح خطوات مواجهة مخاطر هذه القنابل‏.‏
ولما كانت مدة الغارات تطول عما هو مقدر لها‏,‏ أو تتلاحق علي نحو لا يسمح للمحتمين بالمخابئ أن يغادروها لوقت قد يطول فقد باحثت المصلحة المسئولين عن المياه والكهرباء لإمدادها بها‏,‏ ولما تبين صعوبة تنفيذ الهدف الأول‏,‏ فقد اكتفي بتوفير شرط الإضاءة بمصابيح‏'‏ هوركن‏'‏ غير الكهربائية‏,‏ وهي المصابيح التي يستخدمها بوليس المرور في أوقات الليل بالميادين وعند تقاطع الشوارع‏,‏ علي أن يخصص لكل مخبأ مصباح واحد يضاء علي أثر إطلاق صفارات الإنذار‏.‏
وقد تولي مسئولية هذه الأعمال وزير الأشغال عبد القوي أحمد باشا وهو من المهندسين المستقلين الذين يدينون بالولاء لرئيس الوزراء‏,‏ والذي جمع مندوبي الصحف في‏24‏ يونيو عام‏1941‏ وألقي عليهم بيانا مطولا يهمنا هنا أن نتقصي أهم ما جاء فيه بحكم أنه شكل بعدئذ الخطوط التي سارت عليها وزارة‏'‏ تأدية الواجب‏'‏ وكان الرجل أول وآخر وزرائها‏!‏
بدأ صاحبنا بيانه بشكر النواب والشيوخ علي ما أبدوه من روح التعاون بقبول الاشتراك في اللجان التي تألفت للوقاية المدنية‏,‏ خاصة في الإسكندرية‏,‏ المدينة الأكثر معاناة من أخطار الغارات الجوية‏,‏ غير أن الأهم في هذا الاجتماع ما يحدث عادة في مثل هذه الظروف من انتشار الشائعات التي تحدث ذعرا بين الأهالي‏,‏ وأعطي الرجل أمثلة علي ذلك‏..‏
فقد كذب الشائعة التي ترددت عن بقايا كثير من الضحايا تحت الأنقاض لثلاثة أيام‏,‏ وأنه لو رفعت الأنقاض فورا لنجوا‏,‏ ونسبة هذه الواقعة إلي تقرير الطبيب الشرعي‏,‏ مع أنها لم تقع أصلا‏,‏ واستشهد في ذلك بمدير مصلحة الطب الشرعي الذي نفي الواقعة من أساسها‏,‏ وأنه لا يمكن الجزم ببقاء الشخص تحت الأنقاض لمدة ثلاثة أيام لمجرد الكشف علي جثته‏!‏
كذب أيضا الشائعة التي انتشرت بين العامة عن بتر ذراع رجل ظهر جسمه وبقيت الذراع تحت الأنقاض‏,‏ فرأي المنقذون ضرورة التخلص منها لإنقاذ صاحبها فبترت وهو حي‏,‏ وقال أنه لا أساس لهذه الواقعة‏,‏ ولكنها عادة قديمة عند المصريين في تصديق الشائعات مهما بدا من غرابتها‏!‏
غير أن ذلك لم يدفع الرجل إلي التهوين من درجة المخاطر الناجمة عن الغارات‏,‏ وأكد علي ذلك بالقرار الذي اتخذه بتشكيل خمس لجان عليا منبثقة عن مصلحة الوقاية المدنية بالوزارة وأسندت رئاستها لعدد من الشخصيات الكبيرة التي رحبت بالقيام بهذا العمل‏;‏ رئاسة لجنة الهجرة التي تولاها صاحب السعادة الدكتور أحمد ماهر باشا‏,‏ أما رئاسة لجنة الصناعة فقد أسندت لصاحب الدولة إسماعيل صدقي باشا‏,‏ ولجنة الصحة وتولي المسئولية عنها عبد الرحمن عمر بك‏,‏ وتولي رياسة لجنة التموين محمود شكري باشا‏,‏ وأخيرا النائب عبد الحميد عبد الحق أفندي الذي تولي المسئولية عن لجنة العمال‏.‏
ويبدو أن إيقاع الحياة العادية لم ينقطع‏,‏ خاصة في العاصمة‏,‏ فاتخذت الإجراءات لحماية رواد المحال العامة ودور السينما من الغارات‏,‏ وقد أبدت جريدتنا اهتماما خاصا بهذا الجانب الأمر الذي يؤكد علي أن كثيرا من قرائها كانوا من رواد تلك المحال‏..‏
وقد قسمت المحال العامة إلي ثلاثة أقسام‏;‏ يشمل الأول السينما والملاهي‏,‏ ويضم الثاني ميادين سباق الخيل‏,‏ أما الأخير فخاص بالمقاهي والمطاعم‏..‏ فيما يخص القسم الأول تقرر إنشاء مخابئ سواء في دور السينما أو الملاهي أو بجوارها‏,‏ علي أن تتسع لربع مقاعدها علي الأقل‏,‏ كما أشارت بتعديل المقاعد والصفوف فيها حتي يسهل علي الجالسين الانصراف بسرعة‏,‏ وأكدت علي ضرورة وجود أفراد من عمال كل ملهي ولا سيما من تدربوا علي أعمال الإطفاء‏.‏
وفيما يختص بميادين السباق فيمكن عند إطلاق صفارات الإنذار إتمام الشوط الذي بدأ‏(!),‏ علي أن يوقف السباق بعد ذلك‏,‏ علي أن تنشأ مخابئ ليلجأ إليها المتفرجون وقت الغارة‏,‏ وبقي القسم الثالث الذي يضم المحال العامة ولم يطلب من أصحابها أكثر من اتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع تحطيم الواجهات الزجاجية والأبواب‏,‏ وحماية روادها من تطاير شظاياها‏!‏
وكانت مصر قد عرفت خلال الحرب الثانية ما عرف بالجيش المرابط‏,‏ والذي كان يستمد رجاله من الفلاحين لتدريبهم علي بعض أعمال القتال الخفيفة إذا ما دعت الحاجة للاستعانة بهم‏,‏ وقررت مصلحة الوقاية المدنية أن تستعين برجال هذا الجيش‏,‏ أسوة بعمال الإنقاذ التابعين لمصلحة التنظيم‏.‏
وكان من بين ما كلف به هؤلاء‏;‏ إنقاذ الأحياء وإخراجهم من تحت الردم‏,‏ رفع الأنقاض والكشف عن الجثث وإخراج الأمتعة والمنقولات‏,‏ دعم جدران المنازل الآيلة للسقوط بسبب انفجار القنابل‏,‏ إخلاء الطرق والشوارع من الأنقاض لتسهيل حركة المرور‏,‏ وأخيرا هدم المنازل التي تهدد حياة الأهالي بالخطر في حالة سقوطها‏.‏

***‏
بد أثر تداخل الاختصاصات في الوقاية المدنية قبل استقالة وزارة حسين سري الأولي بأيام‏,‏ فقد بحث مجلس الوزراء في جلسته يوم‏26‏ يوليو‏1941‏ في قضية تبعية هذه المصلحة‏,‏ فهي تقوم من الناحية الفنية علي جهود رجال الهندسة‏,‏ ومن الناحية الإدارية علي رجال الإدارة وكان مطلوبا تحديد تبعيتها تحديدا دقيقا واستقر الرأي علي أن تكون تابعة لوزارة الداخلية مع عدم المساس بالمسئولية التي تتحملها وزارة الأشغال‏.‏
ولا نظن أن هذا البحث كان بعيدا عما تقرر وقتذاك عن تأليف الوزارة السرية الثانية التي صدر به مرسوم ملكي بعد خمسة أيام فحسب‏,‏ وهي الوزارة التي تحولت فيها مصلحة الوقاية المدنية إلي وزارة مستقلة تولاها عبد القوي أحمد باشا‏,‏ وهو من كبار مهندسي الري‏,‏ وكان وزيرا للأشغال في عهد الوزارة السرية الأولي‏,‏ ومحسوبا علي كتلة المستقلين في الوزارة الجديدة‏.‏
وكان علي الرجل أن يقيم الوزارة الجديدة علي أنقاض المصلحة القديمة بدءا من البحث عن مقر لها وانتهاء بتوفير هيئة الموظفين بها‏..‏ بالنسبة للمقر فقد كان مطلوبا الحصول علي مبني يليق بدلا من المبني المتواضع الذي كانت تشغله مصلحة الوقاية المدنية والذي كان يقع في شارع حوض اللبن في جاردن سيتي‏,‏ فاستأجرت الدار التي كان يشغلها متحف الفن في سراي البستان‏.‏
وكان من الإجراءات التي اتخذها الوزير الجديد إلغاء القسم الطبي باعتباره من مهام وزارة الصحة‏,‏ وإنشاء قسم جديد لبث الدعاية لمختلف شئون الوقاية بشتي الوسائل كالنشر والإذاعة وإعداد المحاضرات وما إلي ذلك‏,‏ كما أنشئ مكتب للصحافة ليمد الصحفيين بأنباء الوزارة‏.‏
كذلك بدأ تدبير هيئة الموظفين للوزارة الجديدة بانتداب عدد من موظفي الوزارات الأخري الزائدين عن لحاجة‏,‏ وكان من الطبيعي أن يلجأ عبد القوي أحمد باشا إلي الاستعانة بعدد من موظفي وزارة الأشغال الذين كان قد خبرهم‏,‏ وإن كان يبدو أن ما طمع فيه هؤلاء من مكافآت أو مزايا مالية في الوزارة الجديدة لم يتحقق‏,‏ الأمر الذي دعا أغلبهم إلي المطالبة بالعودة إلي وظائفهم الأصلية بعد وقت قصير‏!‏
ولم يتفهم كثير من قراء الأهرام الأسباب الحقيقية وراء إنشاء الوزارة الجديدة وتصوروا أنها تعبر عن رغبة الحكومة في حماية المدنيين‏,‏ فتتالت الرسائل التي تحمل المقترحات لجريدتنا لتحقيق هذا الهدف‏..‏ سكان الوايلية الصغري وجناين الوايلية يطلبون إزالة الحواجز التي تسد طريقهم إلي المخبأين المنشأين في أرض الشماع‏,‏ أحد القراء يطالب بتخصيص مخابئ للسيدات حفاظا علي الآداب العامة‏,‏ عيسي متولي القارئ المشهور الذي بدأ يفرض نفسه منذ ذلك الوقت المبكر يطلب تزويد المخابئ بالنور الأزرق الخافت واتخاذ التدابير لتنظيم الرحيل عن القاهرة‏,‏ كما اقترح أحدهم منع التدخين في المخابئ لما يسببه من ضرر‏,‏ خاصة إذا كانت مزدحمة بالنساء والأطفال‏,‏ واقتراحات أخري كثيرة بدا بعضها جادا والبعض الآخر أرسل به أصحابه لمجرد المشاركة‏.‏
ويبدو أن موضوع المخابئ مثل المأمورية الكبري التي كان علي الوزارة الجديدة مواجهتها‏,‏ ذلك أن القضية لم تقتصر علي مجرد بناء المخبأ ولكن امتدت للعناية به بعد ذلك‏,‏ وقد شكا مأمورو الأقسام من قذارتها وعدم صلاحيتها للغرض الذي أنشئت من أجله‏'‏ إذ أن الأتربة والقمامة والحشرات التي بداخلها تحول دون التجاء الأهالي إليها‏,‏ فضلا عما يسودها من ظلام والافتقار إلي المياه‏.‏
ويبدو أن فكرة الاستعانة بمصابيح رجال المرور‏'‏ هوركن‏'‏ والتي تضاء بزيت الاستصباح‏,‏ لم يتم تنفيذها بنجاح‏,‏ فقد كانت في حاجة إلي اعتمادات مالية لم تكن في إمكانية الوزارة الجديدة‏,‏ إذ بينما بلغ عدد المخابئ‏1300‏ مخبأ كان مفروضا أن يتم تزويد كل منها بثلاثة من تلك المصابيح‏,‏ فلم يمكن تدبير أكثر من‏151‏ مصباحا‏,‏ كما تأكد من الممارسة الحقيقية شدة الحاجة إلي المياه أيضا‏'‏ لإسعاف من يغمي عليه داخل المخبأ‏,‏ أو من يصابون بالاختناق لسبب من الأسباب فضلا عن ضرورته لشرب اللاجئين‏'.‏
وكان كل ما فعلته الوزارة الجديدة في مواجهة هذا السيل من الشكاوي شراء‏600‏ مكنسة ومقطف لتوزع علي جنود الجيش المرابط المكلفين بحراسة المخابئ ليقوموا بتنظيفها‏,‏ والواضح أنهم لم يقوموا بالمهمة فقد ظلت الشكاوي تتوالي من الرواد الذين يضطرون إلي اللجوء إليها‏.‏
وقد حاولت الحكومة البريطانية إنقاذ الوزارة الجديدة عندما قدمت لها مليون جنيه لتساعدها علي القيام بمهامها‏,‏ غير أنه تم تخصيص هذا المبلغ لبناء‏400‏ مخبأ جديد في الإسكندرية كان علي المسئولين في الوزارة تحمل تكلفة صيانتها‏,‏ وأصبحت تشكل عبئا جديدا علي ميزانيتها‏.‏
في يوم‏16‏ سبتمبر‏1941‏ شهدت القاهرة أكبر غارة في تاريخها خلال الحرب الثانية‏,‏ الأمر الذي كان محل احتجاج وزير الوقاية المدنية الذي لم يجد ما يلجأ إليه في هذه المناسبة سوي استثارة المشاعر الدينية والتذكير بالتاريخ‏,‏ فالقاهرة في رأيه‏,‏ وفيما كان يردده المصريون وقتئذ‏,‏ مدينة مقدسة‏'‏ فهي رأس العالم الإسلامي‏,‏ بوصف أنها تحمل الشعلة التي تضيء هذا العالم وتهديه إلي الطريق المستقيم‏,‏ وهي شعلة القرآن الكريم فضلا عن أنها مقدسة بما فيها من مزارات بضعة الرسول الكريم وأولياء الله الصالحين‏'!‏
ويبدو أن هذه الغارة قد أحدثت ذعرا بين سكان العاصمة حتي أن أحدهم جاءه في الحلم أن صفارت الإنذار قد دوت في سماء المدينة فأيقظ زوجته وأولاده وهرعوا نازلين إلي المخبأ حيث قابلهم الجندي المنوط به الحراسة فسأله عن مقصدهم فما أجابوه كان رده‏'‏ ارجع ياشيخ علي بيتك فال الله ولا فالك‏',‏ ولا ندري ما إذا كانت هذه القصة حقيقة أم طرفة ساقتها الأهرام لتبين ما وصل إليه الحال بعد الغارة الكبيرة‏,‏ والتي تأكد بعدها أن وزارة الوقاية المدنية لم تكن ذات فائدة لهم فاستقبلوا اختفاءها في‏4‏ فبراير عام‏1942‏ بعد أداء واجبها دون أي مبالاة‏!‏
 

====================

المــــــــــــــــــــراجع

(1)

 

 

 

 

Home | السياسى  مكرم عبيد باشا | فاروق والنحاس باشا | وزارة حسين سري باشا | إقالة النحاس

This site was last updated 10/26/08