ترجع أهمية هذه المقابر إلي كونها أقدم المقابر المسيحية علي وجه الإطلاق منذ العصور المسيحية الأولي .وتعتبر من أهم مراكز الجذب السياحي في واحة الخارجة وهي تبعد حوالي 3كم شمال الخارجة وواحد كم من معبد هيبيس.ويرجع اسمها بالبجوات إلي طرازها المعماري علي شكل القبوات وذلك لأن كل المباني بها عبارة عن قبب,والمتبقي حاليا من مبان ظاهرة علي سطح الأرض لايزيد عن 260 مبني,والمرسوم منها لايتجاوز أصابع اليد الواحدة تمثل فنا خالصا لهذه الفترة ,والتي يرجع تاريخها إلي القرن الأول الميلادي والذي يمتد إلي القرن السابع الميلادي وتتوسطها أطلال كنيسة تعتبر من أقدم الكنائس القبطية في مصر.وأهم هذه المقابر مقبرة الخروج التي تحكي رسومها قصة خروج بني إسرائيل من مصر يتبعهم فرعون بجنوده .وتليها مقبرة السلام وفيها صور ليعقوب والسيدة العذراء والقديس بولس والقديسة تكلا وتوجد علي المقابر الأخري بعض النقوش الملونة وكتابات قبطية تحكي قصصا ورموزا مسيحية وأخري فرعونية.
الإنسان المصري الذي آمن بالمسيحية منذ اللحظة الأولي لم يترك بعض العادات والتقاليد الفرعونية والتي قد كان ورثها من أبائه وأجداده وخاصة تلك المتعلقة بالعالم الآخر والخلود وأهمية احترام الموتي.ولذلك عندما انتشرت المسيحية في الواحات عمل علي تحويل كل الرموز والرسومات الفرعونية واليونانية والرومانية إلي الرموز والرسومات المسيحية ,وهو بذلك لا ينهي عصرا من العصور الوثنية ولكن يستخدم ما تعلمه لكي يتوافق مع معتقداته الجديدة.
يقول محسن منصور الباحث بمعهد الدراسات القبطية إن البجوات تمتلئ بالرسوم علي بعض القبوات من الداخل بطريقة الفريسكو حيث يتم الرسم علي طبقة البياض قبل أن تجف مما يعمل علي تشرب هذه الطبقة للون علي ثباتها ــ والتي استخدم الرسام فيها الأكاسيد المعدنية المتوفرة في المنطقة ,لذلك كانت الألوان المتاحة محدودة وتراوحت مابين الأحمر والبني والأصفر,هذا من جانب أدوات الرسم وبالتالي فهو تأثر بما حوله من حضارات وخاصة الفن اليوناني والروماني وظهر ذلك واضحا في أسلوب رسمه لشخصياته التي ظهرت واضحة في ملبسها ولون شعرها والتي تميل إلي هاتين الحضارتين ولكنه لم ينس أثناء رسمه أن يحتفظ بالملامح الشرقية التي عشقها.
أما الموضوعات التي تطرق إليها ذلك الفنان المصري ساكن الواحات والتي عمد إلي تسجيلها علي قبوات هذه المقابر والتي لاتتم إلا علي إنسان واع ومدرك ومؤمن بما تعلمه في الإنجيل,والتي تركز علي الخلاص والنجاة من الشر ومؤامرات الأعداء بكل صورها وهذا ما نلحظه في قبوة الخروج ــ والتي يطلق عليها البعض خطأ اسم كنيسة الخروج والملاحظ أنه لايمكن استخدامها ككنيسة كما هو معروف بأقسامها في الطقس القبطي ــ وهي عبارة عن حجرة واحدة مساحتها 2.70* 2.70 مترا ذات قبة ترتكز علي مثلثات كروية ويفتح فيها الباب إلي الجنوب .والرسومات الموضحة علي القبة تبدأ من يمين الداخل مرتبة كالتالي:خروج بني إسرائيل من أرض مصر ,فلك نوح,آدم وحواء,يخرجان من الجنة,دانيال يصلي في جب الأسود,الثلاث فتية في أتون النار,نشر أشعيا بالمنشار ,البحارة يلقون يونان من السفينة ,آلام أيوب ,إبراهيم وإسحاق وسارة...وغيرها من القصص التي تزين القبوة.
ومن الملاحظ أن الرسومات في هذه القبوة متناثرة وغير مرتبطة ,وإن كان رسم خروج بني إسرائيل يحتل الجزء الأكبر من القبوة,كما أن معظم هذه الرسومات تعبر عن قراءات سبت الفرح والتي مازالت تقرأ في الكنيسة القبطية .والشئ الجدير بالذكر أن الفنان الذي رسم هذه الرسومات عمد إلي كتابة الأسماء علي المواضيع والأشخاص باللغة القبطية لغة أهل البلاد في ذلك العصر.ودليل آخر علي تأثر الفنان المصري بوطنه كما تأثر بالمستعمر أن رسم مركبا من الناحية الشرقية القبلية ويقابله من الجهة الغربية البحرية مركبا آخر وهي فكرة مأخوذة من الفكر المصري القديم حيث يعتبر المركب وسيلة العبور إلي الحياة الأخري.
وبدراسة قبوة السلام والتي تقع يسار الداخل إلي مدينة البجوات يمكن أن نؤكد أن الفنان قد لجأ إلي التمثيل الرمزي لبعض المفاهيم مثل الصلاة والعدالة والسلام في شكل ثلاث سيدات واحدة واقفة وترفع يديها ابتهالا لله والثانية تمسك بميزان العدل والثالثة تمسك بغصن زيتون بيدها اليمني أما اليد اليسري فتمسك بالسيف وهو بذلك يؤكد مفهوم أن السلام لا يتحقق إلا بوجود قوة تحميه.والشئ الملاحظ في هذه القبوةأن جميع الرسوم فوق الخط الأحمر الدائري ــ خط الأرض ــ عدا الرسم الذي يشير للصلاة فنري القدمين أسفل خط الأرض ,وهو ما يؤكد عمق فهم الفنان للمعاني التي يريد أن يوصلها لمن يري أعماله ويريد أن يخبرنا أن الصلاة هي التي تربط بين الأرض والسماء ,في لوحة فنية رائعة الجمال وذات ألوان صافية لا يعيبها إلا تعاقب الزمن عليها ومرور الكثيرين عليها ورغبتهم في تسجيل بعض الكلمات علي جدار القبوات وكأنها دفتر سجل الزوار علي مر التاريخ إلي يومنا هذا.
=========================
المـــــــــــــــــراجع
(1) عن مقالة بعنوان " في مؤتمر التراث القبطي بالواحات:الرسومات المسيحية القديمة تسجل قصص العهد القديم " تابع المؤتمر: نادر حبيب نشرت فى جريدة وطنى بتاريخ 17/12/2006م السنة 48 العدد 2347 كتب فى بدايتها فجر المؤتمر الرابع حول الثقافة القبطية الذي نظمته كنيسة مارمينا بفم الخليج تحت رعاية الأنبا سلوانس النائب البابوي لكنائس مصر القديمة والمنيل وفم الخليج ـــ الخاص بالتراث القبطي بمناطق الواحات ــ قضية مهمة جدا وهي الإهمال الشديد الذي تتعرض له مقابر البجوات في وقتنا الحاضر والذي قد يؤدي إلي اندثارها خلال الأعوام القليلة القادمة إذا لم تلق الاهتمام الذي يليق بمكانة هذه المقابر كإحدي مناطق الآثار العالمية والتي لايوجد مثيل لها من حيث البناء أو الرسوم الجدارية في عالمنا المعاصر.