Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم المؤرخ / عزت اندراوس

الخليفة الفاطمى الحافظ لدين الله على مصر -152

 +هناك فى صفحة خاصة أسمها صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
أحداث سنة 524 - 529 هـ
أحداث سنة 530 - 544 هـ

 

الخليفة الفاطمى الحافظ لدين الله على مصر الخليفة رقم 152 من سلسلة خلفاء المسلمين الذين حكموا مصر والخليفة رقم 8 من سلسلة عائلة الخلفاء الفاطميين الشيعة الذين إحتلوا مصر

****************************************************************************************

 الجزء التالى من مرجع عن الخلفاء الذين حكموا مصر وهى تحت إستعمار الأسرة الفاطمية الشيعية الإسلامية - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة - جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي - منذ غزو مصر على يد جيش المسلمين بقيادة عمرو بن العاص ومن تولوا إمارة مصر قبل الإسلام وبعد الإسلام إلى نهاية سنة إحدى وسبعين وثمانمائة

**************************************************************************************** 

 

خلافة الحافظ لدين الله على مصرسنة 524 - 544 هـ
خلافة الحافظ لدين الله على مصر الحافظ لدين الله أبو الميمون عبد المجيد ابن الأمير أبي القاسم محمد ابن الخليفة المستنصر بالله معد ابن الظاهر بالله علي ابن الحاكم بأمر الله منصور ابن العزيز بالله نزار ابن المعز لدين الله معد ابن المنصور إسماعيل ابن القائم محمد ابن المهدي عبيد الله العبيدي الفاطمي المصري الثامن من خلفاء مصر من بني عبيد والحادي عشر منهم ممن ولي من آبائه بالمغرب وهم ثلاثة‏:‏ المهدي والقائم والمنصور‏.‏
وأول من ولي من آبائه بالقاهرة المعز لدين الله فلهذا قلنا‏:‏ هو الثامن من خلفاء مصر والحادي عشر منهم ممن ولي بالمغرب‏.‏
وولي الحافظ الخلافة بمصر بعد قتل ابن عمه الآمر أبي علي منصور على ما يأتي بيانه من أقوال كثيرة‏.‏ ولم يكن من خلفاء مصر من أبوه غير خليفة سواه والعاضد الآتي ذكره‏.‏
ولقبوه الحافظ لدين الله ووزر له أبو علي أحمد بن الأفضل ولقب أمير الجيوش فأحسن إلى الناس وعاملهم بالخير وأعاد لهم مصادراتهم‏.‏
وكان قبل ولاية الحافظ هذا اضطرب أمر الديار المصرية لأن الآمر قتل ولم يخلف ولدًا ذكرًا وترك امرأة حاملا فماج أهل مصر وقالوا‏:‏ لا يموت أحد من أهل هذا البيت إلا ويخلف ولدًا ذكرًا منصوصًا عليه الإمامة‏.‏
وكان الآمر قد نص على الحمل قبل موته فوضعت الحامل بنتًا فعدلوا إلى الحافظ هذا وانقطع النسل من الآمر وأولاده‏.‏
وهذا مذهب طائفة من الشيعة المصريين فإن الإمامة عندهم من المستنصر إلى نزار الذي قتل بعد واقعة الإسكندرية‏.‏
وقال صاحب مرآة الزمان‏:‏ ولما استمر الحافظ في خلافة مصر ضعف أمره مع وزيره أبي علي أحمد بن الأفضل أمير الجيوش وقوي شوكة الوزير المذكور وخطب للمنتظر المهدي وأسقط من الأذان حي على خير العمل ودعا الوزير المذكور لنفسه على المنابر بناصر إمام الحق هادي العصاة إلى اتباع الحق مولى الأمم ومالك فضيلتي السيف والقلم‏ .‏  فلم يزل كذلك حتى قتل الوزير المذكور على ما يأتي ذكره‏.‏
وقال ابن خلكان‏:‏ وهذا الحافظ كان كثير المرض بعلة القولنج فعمل له شيرماه الديلمي وقيل موسى النصراني طبل القولنج الذي كان في خزائنهم‏.‏ ولما ملك السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب مصر كسر في أيامه وقصته مشهورة‏.‏
وأخبرني حفيد شيرماه المذكور أن جده ركب هذا الطبل من المعادن السبعة والكواكب السبعة في إشرافها وكل واحد منها في وقته‏.‏ وكان من خاصته إذا ضربه أحد خرج الريح من مخرجه‏.‏ ولهذه الخاصية كان ينفع من القولنج‏.‏ انتهى كلام ابن خلكان‏.‏
قلت‏:‏ ونذكر سبب كسر هذا الطبل في ترجمة السلطان صلاح الدين عند استقلاله بمملكة مصر‏.‏
ولما عظم أمر الحافظ بعد قتل الوزير المقدم ذكره جدد له ألقاب لم يسبق إليها وخطب له بها على المنابرة وكان الخطيب يقول‏:‏ أصلح من شيدت به الذين بعد دثوره وأعززت به الإسلام بأن جعلته سببًا لظهوره مولانا وسيدنا إمام العصر والزمان أبا الميمون عبد المجيد الحافظ لدين الله صفى الله عليه وسلم وعلى آبائه الطاهرين حجج الله على العالمين‏.‏
ولما قتل الوزير أبو علي أحمد المذكور - على ما يأتي ذكره - وزر للحافظ جماعة فأساؤوا التدبير منهم أبو الفتح يانس أمير الجيوش ومات فوزر له ابنه الحسن ثم وزر له بهرام ثم تولى الحافظ الأمر بنفسه إلى أن مات‏.‏
وكان أمره مع الوزير أبي علي أحمد بن الأفضل أنه لما قتل الخليفة الآمر كان الحافظ هذا محبوسًا فأخرجوه وأشغلوا الوقت به إلى أن يولد حمل الآمر فإن كان صبيًا يلي الخلافة ويخلع الحافظ‏.‏
وتولى أحمد المذكور الوزارة وجعلوا الأمور إليه وليس للحافظ إلا مجرد الاسم في الخلافة‏.‏
وكان الوزير المذكور شهمًا شجاعًا عالي الهمة كأبيه الأفضل وجده بدر الجمالي السابق ذكرهما فاستولى على الديار المصرية‏.‏
وولدت الحامل بنتًا فاستمر الحافظ في الخلافة تحت الحجر وصار الأمر كله للوزير فضيق على الحافظ وحجر عليه ومنعه من الظهور وأودعه في خزانة لا يدخل إليه أحد إلا بأمر الأكمل أعني الوزير المذكور فإنه كان لقب بالأكمل في أيام وزارته‏.‏
وطلع الوزير إلى القصر وأخذ جميع ما فيه وقال‏:‏ هذا كله مال أبي وجدي ثم أهمل خلفاء بني عبيد والدعاء لهم فإنه كان سنيًا كأبيه وأظهر التمسك بالإمام المنتظر في آخر الزمان فجعل الدعاء في الخطبة له وغير قواعد الرافضة‏.‏ فأبغضه الأمراء والدعاة لأن غالبهم كان رافضيًا بل الجميع‏., ثم أمر الوزير الخطباء بأن يدعوا له بألقاب اختصها لنفسه‏.‏  فلما كرهه الشيعة المصريون صمموا على قتله‏.‏
فخرج في العشرين من المحرم إلى لعب الكرة فكمن له جماعة وحمل عليه مملوك إفرنجي للحافظ فطعنه وقتله وقطعوا رأسه وأخرجوا الحافظ وبايعوه ثانيًا ونهبت دار الوزير المذكور‏. وركب الحافظ إلى دار الخلافة واستولى على الخزائن واستوزر مملوكه أبا الفتح يانس الحافظي‏.‏
ولقب أمير الجيوش أيضًا وهو صاحب حارة اليانسية فظهر هو أيضًا شيطانًا ماكرًا بعيد الغور حتى خاف منه أستاذه الحافظ فتحيل عليه بكل ممكن وعجز حتى واطأه فراشه بأن جعل له في الطهارة ماء مسمومًا فاستنجى به فعمل عليه سفله ودود فكان يعالج بأن يلصق عليه اللحم الطري فيتعلق به الدود إلى أن مات‏.‏
وقال صاحب كتاب المقلتين في أخبار الدولتين‏:‏ كان الآمر قد اصطفى مملوكين يقال لأحدهما هزبر الملوك واسمه برغوارد والآخر برغش وينعت بالعادل‏.‏  وهو صاحب المسجد قبالة الروضة من بر مصر‏.‏ وكان الآمر يؤثر هذا الأصغر لرشاقته‏.‏
فلما قتل الأمر وما ثم من يدبر الأمر اعتمدا على الأمير أبي الميمون عبد المجيد وكان أكبر الجماعة سنًا فتحيلا بأن قالا‏:‏ إن الخليفة المنتقل يعنون الآمر كان قبل وفاته بأسبوع أشار إلى شيء من ذلك وإنه كان يقول عن نفسه‏:‏ المسكين المقتول بالسكين وأنه قال‏:‏ إن الجهة الفلانية حامل منه وإنه رأى رؤيا تدل على أنها ستلد ولدًا ذكرًا وهو الخليفة من بعده وإن كفالته للأمير عبد المجيد أبي الميمون‏.‏
فجلس عبد المجيد المذكور كفيلا ونعت بالحافظ لدين الله وأن يكون هزبر الملوك وزيرًا وأن يكون الأمير الأجل السعيد يانس متولي الباب وإسفهسالار‏.‏ وكان أصله من غلمان الأفضل بن أمير الجيوش يعني من مماليكه وكان من أعيان الأمراء بمصر وقرئ بهذا التقرير سجل بالإيوان والحافظ في الشباك جالس قرأه قاضي القضاة على منبر نصب له أمام الشباك بحضور أرباب الدولة‏.‏ واستمر الحافظ وانفش ورم الحبلى ووزر له هذا المذكور وأميران بعده وهما‏:‏ بهرام الأرمني ورضوان بن ولخشي‏.‏ قلت‏:‏ ولم يذكر هذا المؤرخ أمر أحمد الوزير ولا ما وقع له مع الحافظ وهو أجدر بأخبار الفاطميين من غيره‏.‏ ولعله حذف ذلك لكونه كان في أول الأمر والله أعلم‏.‏
قال‏:‏ استمر الحافظ خليفة من سنة أربع وعشرين وخمسمائة إلى جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمسمائة‏.‏ وكان له من الأولاد عدة‏:‏ سليمان وهو أكبرهم وأحبهم إليه وحسن وكان عاقًا له ويوسف وجبريل هؤلاء قبل خلافته‏.‏ وولد له في خلافته أبو منصور إسماعيل وخلف بعد موته‏.‏
ولما ولى العهد لسليمان أكبر أولاده في حياته جعله يسد مكان الوزير ويستريح من مقاساة الوزراء الذين يحيفون عليه ويضايقوته في أمره ونهيه‏.‏ فمات سليمان بعد ولايته العهد بشهرين فحزن عليه شهورًا‏.‏ وترشح حسن ثانيه في العمر لولاية العهد فلم يستصلحه أبوه الحافظ لذلك ولا أجابه إليه‏.‏
فعظم ذلك على حسن المذكور ودعا لنفسه وكاتب الأمراء وعول على اعتقال أبيه ليستبد هو بالأمر وأطمع الناس فيما يواصلهم به إذا تم له الأمر فامتدت إليه الأعناق وكاتب الأمراء وكاتبوه‏.‏ ثم عاودتهم عقولهم بأن هذا لا يتم مع وجود الخليفة‏.‏ وكاتبوا أباه بخلاف ذلك‏.‏ فسير أبوه تلك الكتب إليه قال‏:‏ لا تعتقد أن معك أحدًا‏.‏ فأوقع بعدة من الأمراء وأخذ ما في آدرهم‏.أبوه الحافظ إضعافه وصرفه عن جرأته بغير فتك ففسد أمره وافتقر إلى أبيه‏.‏ وكان حسن المذكور سير بهرام الأرمني المقدم ذكره حاشدًا له ليصل إليه بالأرمن وكان هذا بهرام أميرهم وكبيرهم‏.‏ فلما لجأ حسن إلى أبيه الحافظ احتفظ به أبوه وحرص عليه‏.‏
فلما علم من بقي من الأمراء وهم على تخوف منه اجتمعوا على طلبه من أبيه ليقتلوه ويأمنوا أمره فوقفوا ببين القصرين في عشرة آلاف‏.‏ فراسلهم الخليفة‏ , الحافظ بلين الكلام وتقبيح مرادهم من قتل ولده وأنه قد أزال عنهم أمره وأن ضمانه عليه في ألا يتصرف أبدًا ووعدهم بالزيادة في الأرزاق والإقطاعات, فلم يقبلوا شيئًا من ذلك بوجه وقالوا‏:‏ إما نحن وإما هو وإن لم نتحقق الراحة الأبدية منه وإلا فلا حاجة لنا بك أيضًا ونخلع طاعتك‏ , وأحضروا الأحطاب والنيران لتحريق القصر وبالغوا في الإقدام عليه‏ , فلم يجد الخليفة عليهم لأنهم أنصاره وجنده الذين يستطيل بهم على غيرهم‏.‏
فألجأته الضرورة أنه استبصرهم ثلاثة أيام ليتروى فيما يعمل في حق ولده فرأى أنه لا ينفك من هذه المنازلة العظيمة التي لم ير مثلها إلا أن يقتله مستورًا ويحسم مادته ويأمن مباينة عسكره وأنه لا يأمن هو على نفسه وأنه لا بد من التصرف بهم وفيهم وأنهم لا ينفكون من المقام ببين القصرين على هذا الأمر إلا بعد إنجازه‏.‏  وكان لخاصته طبيبان يهوديان يقال لأحدهما أبو منصور وللآخر ابن قرقة‏.‏  وكان ابن قرقة خبيرًا بالاستعمالات ذكيًا‏.‏
فحضر إليه أبو منصور قبل ابن قرقة ففاوضه الخليفة في عمل السقية القاتلة لولده فتحرج من ذلك وأنكر معرفته وحلف برأس الخليفة وبالتوراة أنه لا يعرف شيئًا من هذا فتركه‏.‏  ثم حضر ابن قرقة ففاوضه في السقية فقال‏:‏ الساعة ولا يتقطع الجسد بل تفيض النفس لا غير فأحضرها في يومه وألزم الخليفة ولده حسنًا على شربها فشربها ومات وقيل للقوم سرًا‏:‏ قد كان ما أردتم فامضوا إلى دوركم‏.‏  فلم يثقوا بذلك بل قالوا‏:‏ يشاهد منا من نثق به‏.‏

فأحضروا أميرًا معروفًا بالجرأة يقال له المعظم جلال الدين محمد جلب راغب فدخل المذكور إلى المكان الذي فيه القتيل فوجده مسجى وعليه ملاءة فكشف عن وجهه وأخرج من وسطه بارشينًا فغرزه بها في مواضع خطرة من جسده حتى تحقق موته وعاد إلى القوم فأخبرهم فوثقوا منه وتفرقوا‏.‏
ولما نساهم الحافظ أمر ابنه قبض على ابن قرقة صاحب السقية فرماه في خزانة البنود وأمر بارتجاع جميع أملاكه وموجوده إلى الديوان‏.‏
وكانت داره بالزقاق الذي كان يسكنه فروخ شاه بن أيوب تطل على الخليج قبالة الغزالة وما فيه من الدور والحمام وهذا الدرب يعرف بدرب ابن قرقة قريب باب الخوخة‏.‏ ثم أنعم الخليفة على رفيقه أبي منصور وجعله رئيس اليهود وحصلت له نعمة ضخمة‏.‏
قال‏:‏ وكان الحافظ في كل ستة أشهر يجرد عسكرًا إلى عسقلان بما يتحققه من عزمات الفرنج في القلة والكثرة مع من هو فيها مقيم من المركزية والكنانية وغيرهم فكان القلة من الفرسان من ثلاثمائة إلى أربعمائة يعني الذين يسيرهم في التجريدة والكثرة من أربعمائة إلى ستمائة ويقدم على كل مائة فارس أميرًا ويسلم للأمير الخريطة وهذا اسم لحمل أوراق العرض من الديوان ليتفق مع والي عسقلان على عرضهم‏.‏ ثم يستم إليه مبلغًا من المال ينفقه فيمن فاتته النفقة‏.‏  وكانت النفقة للأمراء مائة دينار وللأجناد ثلاثين دينارًا‏.‏
فاتفق أن والي عسقلان أرسل كتابًا يعرف الخليفة أن عند الفرنج حركة فجرد الخليفة في تلك المرة العدة الكبيرة وفيهم جلال الدين جلب راغب الأمير الذي كشف صحة موت حسن ابن الخليفة بسقية السم فسير إليه الخليفة مائة دينار وهي علامة التجريد والاهتمام فتجهز المذكور للسفر في جملة الناس وفي نفسه تلك الجناية التي قدمها عند الخليفة في ولده حتى قتله‏.‏
فلما كان السفر جلس الخليفة ليخدموه بالوداع ويدعو لهم بالنصر والسلامة فدخلوا إليه ومثلوا بين يديه لذلك وانصرفوا إلا جلال الدين جلب راغب المذكور‏.‏
فقال الخليفة‏:‏ قولوا للأمير‏:‏ ما وقوفك دون أصحابك‏!‏ ألك حاجة فقال‏:‏ يأمرني مولانا بالكلام‏.‏ فقال له‏:‏ قل‏.‏ قال‏:‏ يا مولانا ليس على وجه الأرض خليفة ابن بنت رسول الله غيرك‏.‏ وقد كان الشيطان استنزلني فأذنبت ذنبًا عظيمًا عفو مولانا أوسع منه‏.‏ فقال له‏:‏ قل ما تريد غير هذا فإنا غير مؤاخذيك به‏.‏ فقال‏:‏ يا مولانا قد توهمت بل تحققت أني ماض في حالة السخط منك وقد آليت على نفسي أن أبذلها في الجهاد فلعلي أموت شهيدًا فيضيع ذلك سخط مولانا علي‏.‏ فقال له الخليفة‏:‏ أنت غني عن هذا الكلام وقد قلنا لك‏:‏ إنا ما وأخذناك فأي شيء تقصد‏.‏ قال‏:‏ لا يسيرني مولانا تبعًا لغيري فقد سرت مرارًا كثيرة مقدمًا وأخشى أن يظن هذا التأخير للذنب الذي أنا معترف به‏.‏  قال‏:‏ لا بل مقدمًا وصاحب الخريطة‏.‏ وأمر بنقل الحال عن المقدم الذي كان تقرر للتقدمة والخريطة‏.‏ فسر جلال الدين جلب راغب بذلك‏.‏ ثم أعطاه الخليفة أيضًا مائتي دينار وقال له‏:‏ اتسع بهذه‏.‏ قال‏:‏ وكان الأغلب على أخلاق الحافظ الحلم‏.‏
ومرض الخليفة مرضته التي توفي فيها فحمل إلى اللؤلؤة خارج القصر فأثخن في المرض فمات بها‏.‏
وظهر من وصيته أن ولده أبا منصور إسماعيل وهو أصغر أولاده هو الخليفة من بعده مع وجود ولدين كاملين هما أبو الحجاج يوسف وهو أبو الخليفة العاضد الآتي ذكره وأبو الأمانة جبريل‏.‏ فعقدت عليه الخلافة من بعده ونعت بالظافر بأمر الله وأن يستوزر له الأمير نجم الدين بن مصال‏.‏ انتهى كلام صاحب المقلتين‏.‏
وقال ابن القلانسي‏:‏ وفي سنة أربع وأربعين وخمسمائة ورد الخبر من مصر بوفاة الحافظ بأمر الله وولي الوزارة أمير الجيوش أبو الفتح بن مصال المغربي فأحسن السيرة وأجمل السياسة فاستقامت الأحوال‏.‏
ثم حدث بعد ذلك من اضطراب الأمور والخلف بين السودان والعساكر وكانت ولاية الحافظ على مصر تسع عشرة سنة وسبعة أشهر وتولى الخلافة بعده أصغر أولاده حسب ما ذكرناه عن كلام صاحب المقلتين‏.‏

السنة الأولى من خلافة الحافظ عبد المجيد وهي سنة خمس وعشرين وخمسمائة‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم سبع أذرع وإصبعان‏.‏ مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وثماني عشرة إصبعًا‏.‏
السنة الثانية من خلافة الحافظ عبد المجيد  وهي سنة ستة وعشرين وخمسمائة‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وسبع أصابع‏.‏  مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وعشر أصابع‏.‏
السنة الثالثة من خلافة الحافظ عبد المجيد وهي سنة سبع وعشرين وخمسمائة‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وخمس وعشرون إصبعًا‏.‏ مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وخمس عشرة إصبعًا‏.‏
السنة الرابعة من خلافة الحافظ عبد المجيد وهي سنة ثمان وعشرين وخمسمائة‏.‏
 أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم سبع أذرع وخمس عشرة إصبعًا‏.‏ مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وثلاث وعشرون إصبعًا‏.‏
السنة الخامسة من خلافة الحافظ وهي سنة تسع وعشرين وخمسمائة‏.‏
 أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وأربع وعشرون إصبعًا‏.‏ مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وثلاث أصابع‏.‏
السنة السادسة من خلافة الحافظ عبد المجيد وهي سنة ثلاثين وخمسمائة‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏

السنة السابعة من خلافة الحافظ وهي سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ست أذرع سواء‏.‏ مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وست عشرة إصبعًا‏.‏
السنة الثامنة من خلافة الحافظ عبد المجيد وهي سنة إثنين وثلاثين وخمسمائة‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ السنة التاسعة من خلافة الحافظ عبد المجيد وهي سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وأربع عشرة إصبعًا‏.‏ مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وخمس أصابع‏.‏
السنة العاشرة من خلافة الحافظ وهي سنة أربع وثلاثين وخمسمائة‏.‏
 أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ست أذرع وثماني عشرة إصبعًا‏.‏ مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وسبع عشرة إصبعًا وشرقت البلاد‏.‏
السنة الحادية عشرة من خلافة الحافظ وهي سنة خمس وثلاثين وخمسمائة‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ست أذرع سواء‏.‏ مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا واثنتا عشرة إصبعًا‏.‏
السنة الثانية عشرة من خلافة الحافظ عبد المجيد وهي سنة ست وثلاثين وخمسمائة‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وخمس أصابع‏.‏ مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وإحدى عشرة إصبعًا‏.‏
السنة الثالثة عشرة من خلافة الحافظ  وهي سنة سبع وثلاثين وخمسمائة‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاث أذرع وست عشرة إصبعًا‏.‏ مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا سواء‏.‏
السنة الرابعة عشرة من خلافة الحافظ وهي سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة‏.‏
 أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع سواء‏.‏  مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وتسع أصابع‏.‏
السنة الخامسة عشرة من خلافة الحافظ  وهي سنة تسعة وثلاثين وخمسمائة‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ست أذرع وأربع عشرة إصبعًا‏.‏  مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وأربع أصابع‏.‏
السنة السادسة عشرة من خلافة الحافظ وهي سنة  أربعين وخمسمائة‏.‏
مات في المحرم‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وأربع عشرة إصبعًا‏.‏  مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا سواء‏.‏
السنة السابعة عشرة من خلافة الحافظ عبد المجيد وهي سنة إحدى وأربعين وخمسمائة‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ست أذرع وإصبعان‏.‏ مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وعشرون إصبعًا‏.‏
السنة الثامنة عشرة من خلافة الحافظ وهي سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة‏.‏
الماء القديم خمس أذرع وثلاث أصابع‏.‏ مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وثلاث عشرة إصبعًا‏.‏
السنة التاسعة عشرة من خلافة الحافظ عبد المجيد وهي سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم سبع أذرع وثماني أصابع‏.‏ مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وثلاث عشرة إصبعًا‏.‏
السنة العشرون من خلافة الحافظ عبد المجيد مات في جمادى الآخرة
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ست أذرع وأربع وعشرون إصبعًا‏.‏ مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وثماني عشرة إصبعًا‏.‏
******************************************************************************

المقريزى من كتاب المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار  - الجزء الثاني  - ( 79 من 167 )   :

الحافظ بامر الله يأمر بإخراج الكتاب الأقباط كلهم لأن واحد منهم أخطأ فى الديوان :

السقيفة وكان من جملة القصر الكبير موضع يعرف‏:‏ بالسقيفة يقف عنده المتظلمون وكانت عادة الخليفة أن يجلس هناك كل ليلة لمن يأتيه من المتظلمين فإذا ظلم أحد وقف تحت السقيفة وقال بصوت عال‏:‏ لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله فيسمعه الخليفة فيأمر بإحضاره إليه أو يفوض أمره إلى الوزير أو القاضي أو الوالي ومن غريب ما وقع أن الموفق بن الخلال‏:‏ لما كان يتحدث في أمور الدواوين أيام الخليفة الحافظ لدين الله وخرج من انتدب بعد انحطاط النيل من العدول والنصارى الكتاب إلى الأعمال لتحرير ما شمله الري وزرع من الأراضي وكتابة المكلفات فخرج إلى بعض النواحي من يمسحها من شاد وناظر وعدول وتأخر الكاتب النصراني ثم لحقهم وأراد التعدية إلى الناحية فحمله ضامن تلك المعدية إلى البر وطلب منه أجرة التعدية فنفر فيه النصراني ووسبه وقال‏:‏ أنا ماسح هذه البلدة وتريد مني حق التعدية فقال له الضامن‏:‏ إن كان لي زرع خذه وقلع لجام بغلة النصراني وألقاه في معديته فلم يجد النصراني بدًا من دفع الأجرة إليه حين أخذ لجام بغلته فلما تمم مساحة البلد وبيض مكلفة المساحة ليحملها إلى دواوين الباب وكانت عادتهم حينئذ كتب الجملة بزيادة عشرين فدانًا ترك بياضًا في بعض الأوراق وقابل العدول على المكلفة وأخذ الخطوط عليها بالصحة ثم كتب في البياض الذي تركه‏:‏ أرض اللجام باسم ضامن المعدين عشرين فدانًا قطيعة كل فدان‏:‏ أربعة دنانير عن ذلك ثمانون دينارًا وحمل المكلفة إلى ديوان الأصل وكانت العادة إذا مضى من السنة الخراجية أربعة أشهر ندب من الجند من فيه حماسة وشدة ومن الكتاب العدول وكاتب نصراني فيخرجون إلى سائر الأعمال لاستخراج ثلث الخراج على ما تشهد به المكلفات المذكورة فينفق في الأجناد فإنه لم يكن حينئذ للأجناد إقطاعات كما هو الآن وكان من العادة أن يخرج إلى كل ناحية ممن ذكر من لم يكن خرج وقت المساحة بل ينتدب قوم سواهم فلما خرج الشاد والكاتب والعدول لاسترخاج ثلث مال الناحية استدعوا أرباب الزرع على ما تشهد به المكلفة ومن جملتهم ضامن المعدية فلما حضر‏:‏ ألزم بستة وعشرين دينارًا وثلثي دينار عن نظير ثلث المال الثمانين دينارًا التي تشهد بها المكلفة عن خراج أرض اللجام فأنكر الضامن أن تكون له زراعة بالناحية وصدقه أهل البلد فلم يقبل الشاد ذلك وكان عسوفًا وأمر به فضرب بالمقارع واحتج بخط العدول على المكلفة وما زال به حتى باع معديته وغيرها وأورد ثلث المال الثابت في المكلفة وسار إلى القاهرة فوقف تحت السقيفة وأعلن بما تقدم ذكره فأمر الخليفة الحافظ بإحضاره فلما مثل بحضرته قص عليه ظلامته مشافهة وحكى له ما اتفق منه في حق النصراني وما كاده به فأحضر ابن الخلال وجميع أرباب الدواوين وأحضرت المكلفات التي عملت للناحية المذكورة في عدة سنين ماضية وتصفحت بين يديه سنة سنة فلم يوجد لأرض اللجام ذكر البتة فحينئذ أمر الخليفة الحافظ‏:‏ بإحضار ذلك النصراني وسمر في مركب وأقام له من يطعمه ويسقيه وتقدم بأن يطاف به سائر الأعمال وينادى عليه ففعل ذلك وأمر بكف أيدي النصرانية كلها عن الخدم في سائر المملكة فتعطلوا مدة إلى أن ساءت أحوالهم‏.‏
الأقباط يتحايلون على الخليفة الحافظ ليرجعوا إلى أعمالهم
المقريزى من كتاب المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار  - الجزء الثاني  - ( 79 من 167 )   :وكان الحافظ مغرمًا بعلم النجوم وله عدة من المنجمين من جملتهم‏:‏ شخص صار إليه عدة من أكابر كتاب النصارى ودفعوا إليه جملة من المال ومعهم رجل منهم يعرف‏:‏ بالأخرم بن أبي زكريا وسألوه أن يذكر للحافظ في أحكام تلك السنة حلية هذا الرجل فإنه إن أقامه في تدبير دولته زاد النيل ونما الارتفاع وزكت الزروع ونتجت الأغنام ودرت الضروع وتضاعفت الأسماك وورد التجار وجرت قوانين المملكة على أجمل الأوضاع فطمع ذلك المنجم في كثرة ما عاينه من الذهب وعمل ما قرره النصارى معه فلما رأى الحافظ ذلك تعلقت نفسه بمشاهدة تلك الصفة فأمر بإحضار الكتاب من النصارى صار يتصفح وجوههم من غير أن يطلع أحدًا على ما يريده وهم يؤخرون الأخرم عن الحضور إليه قصدًا منهم وخشية أن يفطن بمكرهم إلى أن اشتد إلزامهم بإحضار سائر من بقي منهم فأحضروه بعد أن وضعوا من قدره فلما رآه الحافظ‏:‏ رأى فيه الصفات التي عينها منجمه فاستدناه إليه وقربه وآل أمره إلى أن ولاه أمير الدواوين فأعاد كتاب النصارى أوفر ما كانوا عليه وشرعوا في التجبر وبالغوا في إظهار الفخر وتظاهروا بالملابس العظيمة وركبوا البغلات الرائعة والخيول المسومة بالسروج المحلاة واللجم الثقيلة وضايقوا المسلمين في أرزاقهم واستولوا على الأحباس الدينية الأوقاف الشرعية واتخذوا العبيد والمماليك والجواري من المسلمين والمسلمات وصودر بعض كتاب المسلمين فألجأته الضرورة إلى بيع أولاده وبناته فيقال‏:‏ إنه اشتراهم بعض النصارى وفي ذلك إذا حكم النصارى في الفروج وغالوا بالبغال وبالسروج وذلت دولة الإسلام طرًا وصار الأمر في أيدي العلوج فقل للأعور الدجال هذا زمانك إن عزمت على الخروج وموضع السقيفة فيما بين درب السلامي وبين خزانة البنود يتوصل إليه من تجاه البئر التي قدام دار كانت تعرف‏:‏ بقاعة ابن كتيلة ثم استولى عليها جمال الدين الإستادار وجعلها مسكنًا لأخيه ناصر الدين الخطيب وغير بابها‏.‏

قطع رأس أحمد بن الأفضل

المقريزى من كتاب المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار  - الجزء الثاني  - ( 79 من 167 )   : دار الضرب هذا المكان هو الآن‏:‏ دار الضرب من بعض القصر فكان خزانة بجوار الإيوان الكبير سجن بها الخليفة الحافظ لدين الله أبو الميمون عبد المجيد ابن الأمير أبي القاسم محمد بن المستنصر بالله أبي تميم معد ذلك أن الآمر لما قتل في يوم الثلاثاء‏:‏ رابع عشر ذي القعدة سنة أربع وعشرين وخمسمائة قام العادل برغش وهزار الملوك جوامرد وكانا أخص غلمان الآمر بالأمير عبد المجيد ونصباه خليفة ونعتاه بالحافظ لدين الله وهو يومئذ أكبر الأقارب سنًا وذكر أن الآمر قال قبل أن يقتل بأسبوع عن نفسة المسكين المقتول بالسكين وإنه أشار إلى أن بعض جهاته حامل منه وأنه رأى أنها ستلذ ذكرًا وهو الخليفة من بعده وأن كفالته للأمير عبد المجيد فجلس على أنه كافل للمذكور وندب هزار الملوك للوزارة وخلع عليه فلم ترض الأجناد به وثاروا بين القصرين وكبيرهم رضوان بن ولخشي وقاموا بأبي علي بن الأفضل الملقب‏:‏ بكتيفات وقالوا‏:‏ لا نرضى إلا أن صرف هزار الملوك وتفوض الوزارة لأحمد بن الأفضل في سادس عشرة فكان أول ما بدأ به أن أحاط على الخليفة الحافظ وسجنه بالقاعة المذكورة وقيده وهم بخلعه فلم يتأت له ذلك وكان إماميًا فأبطل ذكر الحافظ من الخطبة وصار يدعو للقائم المنتظر ونقص على السكة‏:‏ الله الصمد الإمام محمد فلما قتل في يوم الثلاثاء سادس عشر المحرم سنة ست وعشرين وخمسمائة بالميدان خارج باب الفتوح سارع صبيان الخاص الذين تولوا قتله إلى الحافظ وأخرجوه من الخزانة المذكورة وفكوا عنه قيده وكان كبيرهم‏:‏ يانس وأجلسوه في الشباك على منصب الخلافة وطيف برأس أحمد بن الأفضل وخلع على‏:‏ يانس خلع الوزارة وما زالت الخلافة في يد الحافظ حتى مات ليلة الخميس لخمس خلون من جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمسمائة عن‏:‏ سبع وستين سنة منها‏:‏ خليفة من حين قتل ابن الأفضل‏:‏ ثمان عشرة سنة وأربعة أشهر وأيام‏.‏

*******************************************

يانس الوزير

قال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار  - الجزء الثالث  ( 99 من 167 )  : " حارة اليانسية قال ابن عبد الظاهر‏:‏ اليانسية خارج باب زويلة أظنها منسوبة ليأنس وزير الحافظ لدين الله الملقب بأمير الجيوش سيف الإسلام ويعرف بيانس الفاصد وكان أرمنّي الجنس وسمّي القاصد لأنه فصد الأمير حسن بن الحافظ وتركه محلولًا فصاده حتّى مات‏.‏
وله خبر غريب في وفاته كان الحافظ قد نقم عليه أشياء طلب قتله بها باطنًا فقال لطبيبه‏:‏ اكفني أمره بمأكل أو مشرب فأبى الطبيب ذلك خوفًا أني صير عند الحافظ بهذه العين وربما قتله بها والحافظ يحثّه على ذلك فاتّفق ليانس الوزير المذكور أنه مرض بزّحير وإن الحافظ خاطب الطبيب بذلك فقال‏:‏ يا مولاي قد أمكنتك الفرصة وبلغتَ مقصودك ولو أنّ مولانا عادة في هذه المرضة اكتسب حسن أحدوثة وهذه المرضة ليس دواؤه منها إلاّ الدعة والسكون ولا شيء أضرّ عليه من الانزعاج والحركة فبمجرّد ما سمع بقصد مولانا له تحرّك واهتمّ بلقاء مولانا وانزعج وفي ذلك تلاف نفسه‏.‏
ففعل الخليفة ذلك وأطال الجلوس عنده فمات‏.‏
وهذا الخبر فيه أوهاممنها أنه جعل اليانسية منسوبة ليانس الوزير وقد كانت اليانسية قبل يانس هذا بمدّة طويلة ومنها أنه ادّعة أن حسن بن الحافظ مات من فصادة وليس كذلك وإنما مات مسمومًا ومنها أنه زعم أن يأنس تولّى فصده وليس كذلك بل الذي توّلى قتله بالسم أبو سعدي ابن فرقة ومنها أن الذي نقم عليه الحافظ من الأمراء فخانه في ابنه حسن إنما هو الأمير المعظّم جلال الدين محمد المعروف بجلب راغب وهذا نص الخبر فنزه بالك والله تعالى أعلم‏.‏
وزارة أبي الفتح ناصر الجيوش يأنس الأرمني وكان من خبر ذلك أن الخليفة الآمر بأحكام الله أبا عليّ منصورًا لما قتله النزارية في ذي القعدة سنة أربعوعشرين وخمسمائة أقام هِزّبْرُ الملوكِ جوامردُ العادلَ برغشَ الأمير أبا الميمون عبد المجيد في الخلافة كفيلًا للحمل الذي تركه الآمر ولقّب بالحافظ لدين الله ولبس هزبرُ الملوكِ خلعَ الوزارة فثار الجند وأقاموا أبا عليذ أحمد الملقب بكتيفات ولدًا لأفضل ابن أمير الجيوش في الوزارة وقُتل هزبر الملوك واستولى كتيفات على الآمر وقبض على الحافظ وسجنه بالقصر مقيّدًا إلى أن قُتل كتيفات في المحرّم سنة ستّ وعشرين وخمسمائة‏.‏
وبادر صبيان الخاص الذين تولّوا قتله إلى القصر ودخلوا ومعهم الأمير يأنس متولّي الباب إلى الخزانة التي فيها الحافظ وأخرجوه إلى الشبّاك وأجلسوه في منصب الخلافة وقالوا له‏:‏ والله ما حَرّكَنا على هذا إلا الأمير يأنس فجازاه الحافظ بأن فوّض إليه الوزارة في الحال وخلع عليه فباشرها مباشرة جيّدة‏.‏
وكان عاقلًا مهابًا متمسّكًا متحفّظًا لقوانين الدولة فلم يُحدث شيئًا ولا خرج عمّا يعيّنه الخليفة له إلا أنه بلغه عن أستاذ من خواصّ الخليفة شيء يكرهه فقبض عليه من القصر من غير مشاورة الخليفة وضرب عنقه بخزانة البنود فاستوحش منه الخليفة وخشي من زيادة معناه‏.‏
وكانت هذه الفعلة غلطة منه ثمّ إنه خاف من صبيان الخاصّ أن يفتكوا به كما فتكوا بكتيفات فتنكّر لهم وتخوّفوه أيضًا فركب في خاصّته وأركب العسكر وركب صبيان الخاص فكانت بينهما وقعة قبالة باب التبّانين بين القصرّين قوي فيها يأنس وقتل من صبيان الخاصً ما يزيد على ثلثمائة رجل من أعيانهم فيهم قَتَلَة أبي علي كتيفات وكانوا نحو الخمسمائة فارس فانسكرت شوكتهم وضعف جانبهم واشتد بأس يأنس وعظم شأنه فثقل على الخليفة‏.‏
وتحيّل منه فأحسّ بذلك فأخذ كلّ منهما في التدبير على الآخر فأعجل يأنس وقبض على حاشية الخليفة ومنهم قاضي القضاة وداعي الدعاة أبو الفخر وأبو الفتح بن قادوس وقتلهما فاشتدّ ذلك على الحافظ ودعا طبيبه وقال‏:‏ اكفني امرَ يأنس‏!‏ فيقال أنّه سمّة في ماء المستراح فانفتح دُبُره واتّسع حتّى ما بقي يقدر على الجلوس فقال الطبيب‏:‏ يا أمير المؤمنين قد أمكنتكّ الفرصة وبلغتَ مقصودك فلو أنّ مولانا عاده في هذه المرضة اضر من الحركة والانزعاج وهو إذا سمع بقصد مولانا له تحرك واهتمّ للقاء وانزعج وفي ذلك تلاف نفسه‏.‏
فنهض لعيادته وعندما بلغ ذلك يأنس قام ليلقاه ونزل عن الفراش وجلس بين يدي الخليفة فأطال الخليفة جلوسه عنده وهو يحادثه فلم يقم حتّى سقطت أمعاء يأنس ومات من ليلته في سادس عشري ذي الحجة سنة ستّ وعشرين وخمسمائة وكانت وزارته تسعة أشهر وأيامًا وترك ولدّيْن كفلهما الحافظ وأحسن إليهما‏.‏
وكان يأنس هذا مولى أرمنيًّا لباديس جدّ عبّاس الوزير فأهداه إلى الأفضل بن أمير الجيوش وترقّى في خدمته إلى أن تأمّر ثمّ ولي الباب وهي أعظم رتب الأمراء وكُنّي بأبي الفتح ولقّب بالأمير السعيد ثم لمّا ولي الوزارة نعت بناصر الجيوش سيف الإسلام وكان عظيم الهمّة بعيد الغور كثير الشّر شديد الهيبة‏.‏
الأمير حسن بالخليفة الحافظ ولمّا مات الوزير يأنس تولّى الخليفة الحافظ الأمور بنفسه ولم يستوزر أحدًا وأحسن السيرة‏

******************************************

تمرد الحسن أبن الخليفة ضد الخليفة الحافظ
قال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار  - الجزء الثالث  ( 99 من 167 )  : " فلمّا كان في سنة ثمان وعشرين وخمسمائة عهد إلى ولده سليمان وكان أسنّ أولاده وأحبّهم إليه وأقامه مقام الوزير فمات بعد شهرين من ولاية العهد فجعل مكانه أخاه حيدرة في ولاية العهد ونصّبه للنظر في المظالم فشق ذلك على أخيه الأمير حسن - وكان كثير المال متّسع الحال له عدّة بلاد ومواشي وحاشية وديوان مفرد - فسعى في نقض ذلك بأنْ أوقع الفتنة بين الطائفة الجيوشية والطائفة الريحانية وكانت الريحانية قويّة الشوكة مُهابة مخوفة الجانب فاشتعلت نيران الحرب بين الفريقين وصاح الجند‏:‏ يا حسن يا منصور ياللحسينية والتقى الفريقان فقتل بينهما ما يزيد على خمسة آلاف نفس فكانت هذه الوقعة أوّل مصائب الدولة الفاطمية من فقد رجالها ونقص عساكرها فلم يبقَ من الطائفة الريحانية إلا مَن نجا بنفسه من ناحية المقس وألقى نفسه في بحر النيل‏.‏
واستظهر الأمير حسن وقام بالإمر وانضمّ إليه أوباش الناس ودعَارهم ففرق فيهم الزَرَد وسمّاهم صبيان الزَرَد وجعلهم خاصّته فاحتفوا به وصاروا لا يفارقونه فإن ركب أحاطوا به وإن نزل لازموا داره فقامت قيامة الناس منهم‏.‏
وشرع فيه تتبّع الأكابر فقبض على ابن العسّاف وقتله وقصد أباه الخليفة الحافظ وأخاه حيدرة بالضرر حتّى خافا منه وتغيّبا فجد في طلب أخيه حيدرة وهتك بأوباشه الذين أختارهم حرمة القصر وخرق ناموسه وسلّطهم يفتّشون القصر في طلب الخليفة الحافظ وابنه حيدرة واشتدّ بأسهم وحسّنوا له كلّ رذيلة وجرّوه على الأذى فلم يجد الحافظ بُدًّا من مداراة حسن وتلافي أمره عساه ينصلح وكتب سجلًا بولايته العهد وأرسله إليه فقرىء على الناس فما زاده ذلك إلا جرأة عليه وإفسادًا له وشدّد في التضييق على أبيه وأخذ بأنفاسه‏.‏
فبعض حينئذٍ الخليفة بالأستاذ ابن إسعاف إلى بلاد الصعيد ليجمع من يقدر عليه من الريحانيّة فمضى واستصرخ الناس لنصرة الخليفة على ولده حسن وجمع أممًا لايحصيها إلا الله وسار بهم فبلغ ذلك حسنًا فزجّ عسكر اللقاء إسعافُ فالتقيا وكانت بينهما وقعة هبّت فيها ريح سوداء على عسكر إسعاف حتّى هزمتهم وركبهم عسكر حسن فلم ينجُ منهم إلا القليل وغرق أكثرهم في البحر وأُخذ إسعاف أسيرًا فحمل إلى القاهرة على جمل وفي رأسه طُرطور لَبَد أحمر‏.‏
فلمّا وصل بين القصرين رُشق بالنشّاب حتّى هلك ورُمي من القصر الغربي بأستاذ آخر فقتل وقتل الأمير شرف الدين‏.‏
فاشتدّ ذلك على الحافظ وخاف على نفسه فكتب ورقة - وكادّ ابنه بأن ألقى إليه تلك الورقة - وفيها‏:‏ ياولدي أنت على كلّ حال ولدي ولو عمل كلّ منّا لصاحبه ما يكره الآخر ما أراد أن يصيبه مكروه ولا يحملني قلبي وقد انتهى الأمر إلى أمراء الدولة وهم فلان وفلان وقد شدّدت وطْأتك عليهم وخافوكَ وهم معوّلون على قتلك فخذ حذرك ياولدي‏.‏
فعندما وقف حسن على الورقة غضب ولم يتأنّ وبعث إلى أولئك فلمّا صاروا إليه أمر صبيان الزرد بقتلهم فقتلوا عن آخرهم وكانوا عدّة من أعيان الأمراء وأحاط بدورهم وأخذ سائر ما فيها فاشتدّت المصيبة وعظمت الرزيّة وتخوّف من بقي من الجند ونفروا منه فإنّه كان جريئًا مفسدًا شديد الفحص عن أحوال الناس والاستقصاء لأخبارهم يريد إقلاب الدولة وتغييرها ليقدّم أوباشه وأكثر من مصادرة الناس وقتل قاضي القضاة أبا الثريّا نجم لأنه كان من خواصّ أبيه وقتل جماعة من الأعيان وردّ القضاء لابن ميسّر وتفاقم أمره وعظم خطبه واشتدّت الوحشة بينه وبين الأمراء والأجناد وهمّوا بخلع الحافظ ومحاربة ابنه حسن وصاروا يدًا واحدة واجتمعوا بين القصرين وهم عشرة آلاف ما بين فارس وراجل وسيرّوا إلى الحافظ يشكون ما هم فيه من البلاء مع ابنه حسن ويطلبون منه أن يزيله من ولاية العهد فعجز حسن عن مقاومتهم فإنه لم يبق معه سوى الراجل من الطائفة الجيوشة ومن يقول بقولهم من الغزّ الغرباء فتحيّر وخاف على نفسه فالتجأ إلى القصر وصار إلى أبيه الحافظ فما هو إلا أن تمكّن منه أبوه فقبض عليه وقيّده وبعث إلى الأمراء يخبرهم بذلك فأجمعوا على قتله فردّ عليهم أنه قد صرفه عنهم ولا يمكّنه أبدًا من التصرّف ووعدهم بالزيادة في الأرزاق والإقطاعات وأن يكفّوا عن طلب قتله فألحّوا في قتله وقالوا‏:‏ إمّا نحن وإمّا هو‏.‏
اشتدّ طلبهم إياه حتّى أحضروا الأحطاب والنيران ليحرقوا القصر وبالغوا في التجرّؤ على الخليفة فلم يجد بدًّا من إجابتهم إلى قتله وسألهم أن يمهلوه ثلاثًا فأناخوا بين القصرين وأقاموا على حالهم حتّى تنقضي الثلاث فما وسع الحافظ إلا أن استدعى طبيبيه وهما أبو منصور اليهوديّ وابن قرقة النصرانيّ وبدأ بأبي منصور وفاوضه في عمله سقية قاتله فامتنع من ذلك وحلف بالتوراة أنه لا يعرف عمل شيء من ذلك فتركه وأحضر ابن قرقة وكلّمه في هذا فقال‏:‏ الساعة ول يتقطّع منها جسده بل تفيض النفس لا غير‏.‏
فأحضر السقية من يومه فبعثها إلى حسن مع عدّة من الصقالبة وما زالوا يكرهونه على شربها حتّى فعل ومات في العشرين من جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين وخمسمائة فبعث الحافظ إلى القوم سرًّا يقول‏:‏ قد كان ما أردتم فامضوا إلى دوركم فقالوا‏:‏ لا بدّ أن يشاهده منّا من نثق به وندبوا منهم أميرًا معروفًا بالجرأة والشرّ يقال له المعظّم جلال الدين محمد ويعرف بجلب راغب الآمري فدخل إلى القصر وصار من جنب حسن فإذا به قد سجّي بثوب فكشف عن وجهه وأخرج من وسطه آلة من حديد وغرزه بها في عدّة مواضع من بدنه إلى أن تيقّن أنه قد مات وعاد إلى القوم وأخبرهم فتفرّقوا‏.‏
وعندما سكنت الدهماء حقد الحافظ لابن قرفة وقتله بخزانة البنود وأنعم بجميع ما كان له على أبي منصور اليهودي وجعله رئيس الأطباء فهذا ما كان من خبر يأنس وكيفيّة موته وخبر حسن والخبر عن قتله‏.‏

 

This site was last updated 11/17/13