علم الشيعة الأخضر الفاطمى

Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - Coptic history

بقلم المؤرخ / عزت اندراوس

خلافة المستعلي بالله على مصر -150

 +إذا كنت تريد أن تطلع على المزيد أو أن تعد بحثا اذهب إلى صفحة الفهرس هناك فاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
أحداث سنة 452 - 495 هـ

الخليفة المستعلي بالله على مصر - الخليفة رقم 150 من خلفاء المسلمين الذين حكموا مصر وهو الخليفة رقم 6 من سلسلة عائلة الفاطميين

****************************************************************************************

 الجزء التالى من مرجع عن الخلفاء الذين حكموا مصر وهى تحت إستعمار الأسرة الفاطمية الشيعية الإسلامية - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة - جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي - منذ غزو مصر على يد جيش المسلمين بقيادة عمرو بن العاص ومن تولوا إمارة مصر قبل الإسلام وبعد الإسلام إلى نهاية سنة إحدى وسبعين وثمانمائة

**************************************************************************************** 

 خلافة المستعلي بالله على مصر سنة 487 - 495
خلافة المستعلي بالله على مصر المستعلي بالله خليفة مصر اسمه أحمد وكنيته أبو القاسم ابن المستنصر بالله معد ابن الظاهر بالله علي ابن الحاكم بأمر الله منصور بن العزيز بالله نزار بن المعز لدين الله معد بن المنصور إسماعيل بن القائم محمد بن المهدي عبيد الله السادس من خلفاء مصر الفاطميين بني عبيد والتاسع ممن ولي من أجداده الخلافة بالمغرب‏.‏
بويع بالخلافة بعد موت أبيه المستنصر معد في يوم عيد الغدير يوم ثامن عشر ذي الحجة سنة سبع وثمانين ومولده بالقاهرة في المحرم سنة سبع وستين وأربعمائة‏.‏
ولما ولي الخلافة كانت سنه يوم ذاك نيفت على عشرين سنة‏.‏
وقال ابن خلكان‏:‏ مولده لعشر ليال بقين من المحرم وذكر السنة‏.‏
وكان القائم بأمره الأفضل شاهنشاه بن بدر الجمالي فإن المستنصر كان قد أجلس بعده ابنه أبا منصور نزارًا أكبر أولاده وجعل إليه ولاية العهد بالخلافة‏.‏
فلما مرض المستنصر أراد أخذ البيعة له فتقاعد الأفضل شاهنشاه ودافع المستنصر من يوم إلى يوم حتى مات المستنصر وكان ذلك كراهة من الأفضل في نزار ولد المستنصر‏.‏
وسببه أن نزارًا خرج ذات يوم في حياة أبيه المستنصر فإذا الأفضل راكب وقد دخل من أحد أبواب القصر فصاح به نزار المذكور‏:‏ انزل يا أرمني يا نجس‏!‏‏.‏
فحقدها عليه الأفضل وصار كل منهما يكره الآخر‏.‏
فاجتمع الأفضل بعد موت المستنصر بالأمراء والخواص وخوفهم من نزار وأشار عليهم بولاية أخيه الصغير أبي القاسم أحمد فرضوا بذلك ما خلا محمود بن مصال اللكي فإن نزارًا كان وعده بالوزارة والتقدمة على الجيوش مكان الأفضل‏.‏
فلما علم ابن مصال الحال أعلم نزارًا بذلك وبادر الأفضل بإخراج أبي القاسم أحمد هذا وبايعه ونعته بالمستعلي بالله وذلك بكرة يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة وأجلسه على سرير الخلافة وجلس الأفضل شاهنشاه على دكة الوزارة وحضر قاضي القضاة المؤيد بنصر الأنام علي بن نافع بن الكحال والشهود معه وأخذوا البيعة على مقدمي الدولة ورؤسائها وأعيانها‏.‏
ثم مضى الأفضل إلى إسماعيل وعبد الله ابني المستنصر وهما بالمسجد بالقصر والموكلون عليهما فقال لهما‏:‏ إن البيعة تمت لمولانا المستعلي بالله وهو يقرئكما السلام ويقول لكما‏:‏ تبايعان أم لا فقالا‏:‏ السمع والطاعة إن الله اختاره علينا وقاما وبايعاه‏.‏
فكتب الأفضل بذلك سجلا قرأه الشريف سناء الملك محمد بن محمد الحسيني الكاتب بديوان الإنشاء على الأمراء‏.‏
وأما أمر نزار فإنه بادر وخرج من وقته وأخذ معه أخاه عبد الله الذي بايع وابن مصال اللكي وتوجهوا إلى الإسكندرية وكان الوالي بها ناصر الدولة أفتكين التركي أحد مماليك أمير الجيوش بدر الجمالي أعني والد الأفضل هذا فعرفوه الحال ووعده نزار بالوزارة فطمع أفتكين في ذلك وبايع نزارًا المذكور وبايع أيضًا جميع أهل الإسكندرية ولقب المصطفى لدين الله‏.‏
ثم وقع لنزار هذا أمور وحروب مع الأفضل نذكر منها نبذة من أقوال جماعة من المؤرخين‏.‏
قال العلامة شمس الدين يوسف بن قز أوغلي في تاريخه مرآة الزمان - بعد ما ساق نسبه بنحو ما ذكرناه وأقل - قال‏:‏ وكان المتصرف في دولته الأفضل ابن أمير الجيوش يعني عن المستعلي‏.‏
قال‏:‏ وكان هرب أخوه نزار بن المستنصر إلى الإسكندرية وبها أفتكين مولى أبيه‏.‏
قلت‏:‏ وهذا بخلاف ما ذكره غيره من أن أفتكين كان مولى لبدر الجمالي والد الأفضل شاهنشاه‏.‏
قال‏:‏ وزعم نزار أن أباه عهد إليه فقام له بالأمر أفتكين ولقبه ناصر الدولة‏.‏
وأخذ له البيعة على أهل البلد وساعده ابن عمار قاضي الإسكندرية‏.‏
فتوجه الأفضل إلى الإسكندرية وضايقها فخرج إليه أفتكين فهزمه وعاد الأفضل إلى القاهرة يعني مهزومًا فحشد وعاد إليها ونازلها وافتتحها عنوة وقتل أعيان أهلها واعتقل أفتكين وابن عمار‏.‏
فكتب ابن عمار إلى الأفضل ورقة من الحبس يقول فيها‏:‏ البسيط هل أنت منقذ شلوي من يدي زمن أضحى يقد أديمي قد منتهس دعوتك الدعوة الأولى وبي رمق وهذه دعوة والدهر مفترسي فلم تصل إليه الورقة حتى قتل‏.‏
فلما وقف عليها قال‏:‏ والله لو وقفت عليها قبل ذلك ما قتلته‏.‏
وكان ابن عمار المذكور من حسنات الدهر‏.‏
وقدم الأفضل بأفتكين ونزار إلى القاهرة وكان أفتكين يلعن المستعلي والأفضل ابن أمير الجيوش على المنابر فقتله المستعلي بيده وبنى على أخيه نزار حائطًا فهو تحته إلى الآن‏.‏
وكان للمستعلي وقال غيره‏:‏ ولما استهلت سنة ثمان وثمانين خرج الأفضل بعساكر مصر إلى الإسكندرية وهناك نزار وأفتكين فكانت بينهم حرب شديدة بظاهر الإسكندرية انكسر فيها الأفضل بمن معه ورجع إلى القاهرة منهزمًا فخرج نزار ونهب أكثر البلاد بالوجه البحري‏.‏
وأخذ الأفضل في التجهز لقتال نزار ودس إلى جماعة ممن كان مع نزار من العربان واستمالهم عنه ثم خرج بالعساكر ثانيًا إلى نحو الإسكندرية فكانت بينهم أيضًا وقعة بظاهر الإسكندرية انكسر فيها نزار بمن معه إلى داخل الإسكندرية فحاصرهم الأفضل حصارًا شديدًا إلى ذي القعدة‏.‏
فلما رأى ذلك ابن مصال جمع ماله وفر إلى الغرب‏.‏ وكان سبب فرار ابن مصال أنه رأى في منامه أنه راكب فرسًا وسار والأفضل ماش في ركابه فقال له المعبر‏:‏ الماشي على الأرض أملك لها فلما سمع ذلك فر‏.‏ ولما فر ابن مصال ضعفت قوى نزار وأفتكين وخافا وطلبا من الأفضل الأمان فأمنهما ودخل البلدة ثم قبض على نزار وأفتكين وبعث بهما إلى مصر وكان ذلك آخر العهد بنزار‏.‏
وكان مولد نزار في يوم الخميس العاشر من شهر ربيع الأول سنة سبع وثلاثين وأربعمائة‏.‏
وقيل‏:‏ إن الأفضل بنى لنزار حائطين وجعله بينهما إلى أن مات‏.‏
وأما أفتكين نائب الإسكندرية فإنه قتله بعد ذلك‏.‏ ولم يزل الأفضل يؤمن ابن مصال حتى حضر إليه بالقاهرة ولزم داره حتى رضي عنه الأفضل‏.‏ انتهى ذكر نزار وكيفية قتله‏.‏
وقال الحافظ أبو عبد الله الذهبي‏:‏ وفي أيامه وهنت دولتهم يعني المستعلي صاحب الترجمة‏.‏
قال‏:‏ وانقطعت دعوتهم من أكثر مدن الشام واستولى عليها الأتراك والفرنج على إنطاكية وحصروها ثمانية أشهر وأخذوها في سادس عشر رجب سنة إحدى وتسعين وأربعمائة وأخذوا المعرة سنة اثنتين وتسعين ثم أخذوا القدس فيها أيضًا في شعبان واستولى الملاعين على كثير من مدن الساحل‏.‏
ولم يكن للمستعلي مع الأفضل ابن أمير الجيوش حكم‏.‏
وفي أيامه هرب أخوه نزار إلى الإسكندرية فأخذ له البيعة على أهل الثغر أفتكين وساعده قاضي الثغر ابن عمار وأقاموا على ذلك سنة‏.‏
فجاء الأفضل سنة ثمان وثمانين وحاصر الثغر وخرج إليه أفتكين فهزمه ثم نازلها ثانيًا وافتتحها عنوة وقتل جماعة وأتى القاهرة بنزار وأفتكين فذبح أفتكين صبرًا وبنى المستعلي على أخيه حائطًا فهو تحته إلى الآن‏:‏ انتهى كلام الذهبي قلت‏:‏ ومن حينئذ نذكه كيفية أخذ الفرنج للسواحل في أيام المستعلي هذا وهو كالشرح لمقالة الذهبي وغيره‏:‏ كان أول حركة الفرنج لأخذ السواحل وخروجهم إليها في سنة تسعين وأربعمائة فساروا إليها فأول ما أخذوا نيقية وهو أول بلد فتحوه وأخذوه من المسلمين‏.‏
ثم فتحوا حصون الدروب شيئًا بعد شيء ووصلوا إلى البارة وجبل السماق وفامية وكفر طاب ونواحيها‏.‏
وفي سنة إحدى وتسعين وأربعمائة ساروا إلى إنطاكية ولم ينازلوها وجاءوا إلى المعرة فنصبوا عليها السلالم فنزلوا إليها فقتلوا من أهلها مائة ألف إنسان قاله أبو المظفر سبط ابن ا

لجوزي قال‏:‏ وسبوا مثلها‏.‏
حروب الفرنجة
ثم دخلوا كفر طاب وفعلوا مثل ذلك وعادوا إلى إنطاكية وكان بها الأمير شعبان وقيل شقبان وقيل في اسمه غير ذلك - وكان على الفرنج صنجيل فحاصرها مدة فنافق رجل من إنطاكية يقال له فيروز وفتح لهم في الليل شباكًا فدخلوا منه ووضعوا السيف وهرب شعبان وترك أهله وأمواله وأولاده بها‏.‏
فلما بعد عن البلد ندم على ذلك فنزل عن فرسه فحثى للتراب على رأسه وبكى ولطم وتفرق عنه أصحابه وبقي وحده فمر به رجل أرمني حطاب فعرفه فقتله وحمل رأسه إلى صنجيل ملك الفرنج‏.‏
وقال أبو يعلى بن القلانسي‏:‏ في جمادى الأولى ورد الخبر بأن قومًا من أهل إنطاكية عملوا عليها وواطؤوا الفرنج على تسليمها إليهم لإساءة تقدمت من حاكم البلد في حقهم ومصادرته لهم ووجدوا الفرصة في برج من الأبراج التي للبلد مما يلي الجبل فبادرهم إياه وأصعدوا منه في السحر وصاحوا فانهزم ياغي سيان وخرج في خلق عظيم فلم يسلم منهم شخص فسقط الأمير عن فرسه عند معرة مصرين فحمله بعض أصحابه وأركبه فلم يثبت على ظهر الفرس وسقط ثانيًا فمات‏.‏
وأما إنطاكية فقتل منها وسبي من الرجال والنساء والأطفال مالا يدركه وكان أخذ المعرة في ذي الحجة بعد أخذ إنطاكية‏.‏
ولما وقع ذلك اجتمع ملوك الإسلام بالشام وهم رضوان صاحب حلب وأخوه دقماق وطغتكين وصاحب الموصل وسكمان بن أرتق صاحب ماردين وأرسلان شاه صاحب سنجار - ولم ينهض الأفضل بإخراج عساكر مصر‏.‏
وما أدري ما كان السبب في عدم إخراجه مع قدرته على المال والرجال - فاجتمع الجميع ونازلوا إنطاكية وضيقوا على الفرنج حتى أكلوا ورق الشجر‏.‏
وكان صنجيل مقدم الفرنج عنده دهاء ومكر فرتب مع راهب حيلة وقال‏:‏ اذهب فادفن هذه الحربة في مكان كذا ثم قل للفرنج بعد ذلك‏:‏ رأيت المسيح في منامي وهو يقول‏:‏ في المكان الفلاني حربة مدفونة فاطلبوها فإن وجدتموها فالظفر لكم وهي حربتي فصوموا ثلاثة أيام وصلوا وتصدقوا ثم قام وهم معه إلى المكان ففتشوه فظهرت الحربة فصاحوا وصاموا وتصدقوا وخرجوا إلى المسلمين وقاتلوهم حتى دفعوهم عن البلد فثبت جماعة من المسلمين فقتلوا عن آخرهم رحمهم الله تعالى‏.‏
والعجب أن الفرنج لما خرجوا إلى المسلمين كانوا في غاية الضعف من الجوع وعدم القوت حتى إنهم أكلوا الميتة وكانت عساكر الإسلام في غاية القوة والكثرة فكسروا المسلمين وفرقوا جموعهم وانكسر أصحاب الجرد السوابق ووقع السيف في المجاهدين والمطوعين‏.‏
فكتب دقماق ورضوان والأمراء إلى الخليفة أعني المستظهر العباسي يستنصرونه فأخرج الخليفة أبا نصر بن الموصلايا إلى السلطان وأما أخذ بيت المقدس فكان في يوم الجمعة ثالث عشرين شعبان سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة وهو أن الفرنج ساروا من إنطاكية ومقدم الفرنج كندهري في ألف ألف منهم خمسمائة ألف مقاتل فارس والباقون رخالة وفعلة وأرباب آلات من مجانيق وغيرها وجعلوا طريقهم على الساحل‏.‏
وكان بالقدس افتخار الدولة من قبل المستعلي خليفة مصر صاحب الترجمة فأقاموا يقاتلون أربعين يومًا وعملوا برجين مطفين على السور أحدهما بباب صهيون والآخر بباب العمود وباب الأسباط وهو برج الزاوية - ومنه فتحها السلطان صلاح الدين بن أيوب على ما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى - فأحرق المسلمون البرج الذي كان بباب صهيون وقتلوا من فيه‏.‏
وأما الآخر فزحفوا به حتى ألصقوه بالسور وحكموا به على البلد وكشفوا من كان عليه من المسلمين ثم رموا بالمجانيق والسهام رمية رجل واحد فانهزم المسلمون فنزلوا إلى البلد وهرب الناس إلى الصخرة والأقصى واجتمعوا بها فهجموا عليهم وقتلوا في الحرم مائة ألف وسبوا مثلهم وقتلوا الشيوخ والعجائز وسبوا النساء وأخذوا من الصخرة والأقصى سبعين قنديلا منها عشرون ذهبًا في كل قنديل ألف مثقال ومنها خمسون فضة في كل قنديل ثلاثة آلاف وستمائة درهم بالشامي وأخذوا تنورًا من فضة زنته أربعون رطلا بالشامي وأخذوا من الأموال ما لا يحصى‏.‏
وكان بيت المقدس منه افتتحه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في سنة ست عشرة من الهجرة لم يزل بأيدي المسلمين إلى هذه السنة‏.‏
هذا كله وعسكر مصر لم يحضر غير أن الأفضل شاهنشاه ابن أمير الجيوش بدر الجمالي صاحب أمر مصر لما بلغه أن الفرنج ضايقوا بيت المقدس خرج في عشرين ألفًا من عساكر مصر وجد في السير فوصل إلى القدس يوم ثاني فتحه ولم يعلم بذلك‏.‏
فقصده الفرنج وقاتلوه فلم يثبت لهم ودخل عسقلان بعد أن قتل من أصحابه عدد كثير فأحرق الفرنج ما حول عسقلان وقطعوا أشجارها ثم عادوا إلى القدس‏.‏
ثم عاد الأفضل إلى مصر بعد أمور وقعت له مع الفرنج‏.‏ واستمر بيت المقدس مع الفرنج فلا قوة إلا بالله‏.‏
وقال ابن القلانسي‏:‏ إن أخذ المعرة كان في هذه السنة أيضًا لأنه كان قبل أخذ بيت المقدس‏.‏
قال‏:‏ وزحف الفرنج في محرم هذه السنة إلى سور المعرة من الناحية الشرقية والشمالية وأسندوا البرج إلى سورها فكان أعلى منه‏.‏
ولم يزل الحرب عليها إلى وقت المغرب من اليوم الرابع عشر من المحرم وصعدوا السور وانكشف أهل البلد بعد أن ترددت إليهم رسل الفرنج وأعطوهم الأمان على نفوسهم وأموالهم وألا يدخلوا إليهم بل يبعثوا إليهم شحنة فمنع من ذلك الخلف بين أهلها فملكت الفرنج البلد بعد المغرب بعد أن قتل من الفريقين خلق كثير ثم أعطوهم الأمان‏.‏
فلما ملكوها غدروا بهم وفعلوا تلك الأفعال القبيحة وأقاموا عليها إلى أن رحلوا عنها في آخر شهر رجب إلى القدس‏.‏
وانجفل الناس بين أيديهم فجاءوا إلى الرملة فأخذوها عند إدراك الغلة ثم انتهوا إلى القدس‏.‏
وذكر في أمر القدس نحوًا مما قلناه غير أنه زاد فقال‏:‏ ولما بلغهم يعني الفرنج خروج الأفضل من مصر جدوا في القتال ونزلوا من السور وقتلوا خلقًا كثيرًا وجمعوا اليهود في الكنيسة وأحرقوها عليهم وهدموا المشاهد وقبر الخليل - عليه السلام - وتسلموا محراب داود بالأمان‏.‏
ووصل الأفضل بالعساكر وقد فات الأمر فنزل عسقلان في يوم رابع عشر شهر رمضان ينتظر الأسطول في البحر والعرب فنهض إليه مقدم الفرنج في خلق عظيم فانهزم العسكر المصري إلى ناحية عسقلان ودخل الأفضل عسقلان ولعبت سيوف الفرنج في العسكر والرجال والمطوعة وأهل البلد وكانوا زهاء عن عشرة آلاف نفس ومضى الأفضل‏.‏
وقرر الفرنج على أهل البلد عشرين ألف دينار تحمل إليهم وشرعوا في جبايتها من أهل البلد فاختلف المقدمون فرحلوا ولم يقبضوا من المال شيئًا‏.‏
ثم قال‏:‏ وحكي أنه قتل من أهل عسقلان من شهودها وتجارها وأحداثها سوى أجنادها ألفان وسبعمائة نفس‏.‏
ولما تمت هذه الحادثة خرج المستنفرون من دمشق مع قاضيها زين الدين أبي سعد الهروي فوصلوا بغداد وحضروا في الديوان وقطعوا شعورهم واستغاثوا وبكوا وقام القاضي في الديوان وأورد كلامًا أبكى الحاضرين وندب من الديوان من يمضي إلى العسكر السلطاني ويعرفهم بهذه المصيبة فوقع التقاعد لأمر يريده الله‏.‏
ولا قوة إلا بالله‏.‏

ثم إن الأفضل ابن أمير الجيوش جهز من مصر جيشًا كثيفًا وعليه سعد الدولة القواسي في سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة فخرج سعد الدولة المذكور من مصر بعسكره فالتقى مع الفرنج بعسقلان ووقف سعد الدولة في القلب فقاتل قتالا شديدًا فكبا به فرسه فقتل‏.‏
وثبت المسلمون بعد قتله وحملوا على الفرنج فهزموهم إلى قيسارية فيقال‏:‏ إنهم قتلوا من الفرنج ثلاثمائة ألف ولم تقتل من المسلمين سوى مقدم عسكرهم سعد الدولة القواسي المذكور ونفر يسير‏.‏ قاله صاحب مرآة الزمان‏.‏
وقال الذهبي في تاريخه‏:‏ هذه مجازفة عظيمة يعني كونه قال قتل ثلاثمائة ألف من الفرنج‏.‏ انتهى‏.‏
قلت‏:‏ ومن يومئذ بدأت الفرنج في أخذ السواحل حتى استولوا على الساحل الشامي بأجمعه إلى أن استولت الدولة الأيوبية والتركية واسترجعوها شيئًا بعد شيء حسب ما يأتي ذكره إن شاء الله في هذا الكتاب‏.‏
ومات المستعلي صاحب الترجمة في يوم الثلاثاء تاسع صفر سنة خمس وتسعين وأربعمائة وقيل‏:‏ في ثالث عشر صفر والأول أشهر‏.‏ ومات وله سبع وعشرون سنة وكانت خلافته سبع سنين وشهرين وأيامًا‏.‏
وتولى الخلافة بعده ابنه الآمر بأحكام الله منصور‏.‏
وكان المتصرف في دولته وزيره الأفضل سيف الإسلام شاهنشاه ابن أمير الجيوش بدر الجمالي‏.‏
فانتظمت أحوال مصر بتدبيره واشتغل بها عن السواحل الشامية حتى استولت الفرنج على غالبها وندم على ذلك حين لا ينفع الندم‏.‏

نوح الخليفة وبكـــائة فى يوم عاشوراء
وكان المستعلي حسن الطريقة في الرعية جميل السيرة في كافة الأجناد ملازمًا لقصره كعادة أبيه مكتفيًا بالأفضل فيما يريده إلا أنه كان مع تقاعده عن الجهاد وتهاونه في أخذ البلاد متغاليًا في الرفض والتشيع كان يقع منه الأمور الشنيعة في مأتم عاشوراء ويبالغ في النوح والمأتم ويأمر الناس بلبس المسوح وغلق الحوانيت واللطم والبكاء زيادة عما كان يفعله آباؤه مع أن الجميع رافضة ولكن التقاوت نوع آخر‏.‏
وأما الذي كان يفعله آباؤه وأجداده من النوح في يوم عاشوراء والحزن وترتيبه فإذا كان يوم العاشر من المحرم احتجب الخليفة عن الناس فإذا علا النهار ركب قاضي القضاة والشهود وقد غيروا زيهم ولبسوا قماش الحزن ثم صاروا إلى المشهد الحسيني بالقاهرة - وكان قبل ذلك يعمل المأتم بالجامع الأزهر - فإذا جلسوا فيه بمن معهم من الأمراء والأعيان وقراء الحضرة والمتصدرين في الجوامع جاء الوزير فجلس صدرًا والقاضي وداعي الدعاة من جانبيه والقراء يقرؤون نوبة بنوبة ثم ينشد قوم من الشعراء غير شعراء الخليفة أشعارًا يرثون بها الحسن والحسين وأهل البيت وتصيح الناس بالضجيج والبكاء والعويل - فإن كان الوزير رافضيًا على مذهب القوم تغالوا في ذلك وأمعنوا وإن كان الوزير سنيًا اقتصروا - ولا يزالون كذلك حتى تمضي ثلاث ساعات فيستدعون إلى القصر عند الخليفة بنقباء الرسائل فيركب الوزير وهو بمنديل صغير إلى داره ويدخل قاضي القضاة والداعي ومن معهما إلى باب الذهب أحد أبواب القصر فيجدون الدهاليز قد فرشت مساطبها بالحصر والبسط وينصب في الأماكن الخالية الدكك لتلحق بالمساطب وتفرش ويجدون صاحب الباب جالسًا هناك فيجلس القاضي والداعي إلى جانبه والناس على اختلاف طبقاتهم فيقرأ القراء وينشد المنشدون أيضًا‏.‏
ثم يفرش وسط القاعة بالحصر المقلوبة ليس على وجوهها وإنما تخالف مفارشها ثم تفرش عليها سماط الحزن مقدار ألف زبدية من العدس والملوحات والمخللات والأجبان والألبان الساذجة والأعسال النحل والفطير والخبز المغير لونه بالقصد لأجل الحزن‏.‏
فإذا قرب الظهر وقف صاحب الباب وصاحب المائدة يعني الحاجب والمشد وأدخل الناس للأكل من السماط فيدخل القاضي والداعي ويجلس صاحب الباب ببابه ومن الناس من لا يدخل من شدة الحزن فلا يلزم أحد بالدخول‏.‏
فإذا فرغ القوم انفصلوا إلى مكانهم ركبانًا بذلك الزي الذي ظهروا فيه من قماش الحزن‏.‏
وطاف النواح بالقاهرة في ذلك اليوم وأغلق البياعون حوانيتهم إلى بعد العصر والنوح قائم بجميع شوارع القاهرة وأزقتها‏.‏
فإذا فات العصر يفتح الناس دكاكينهم ويتصرفون في بيعهم وشرائهم فكان ذلك دأب الخلفاء الفاطميين من أولهم المعز لدين الله معد إلى آخرهم العاضد عبد الله‏.‏
انتهى ترجمة المستعلي‏.‏
ويأتي بعض أخباره أيضًا في السنين المتعلقة به على سبيل الاختصار كما هو عادة هذا الكتاب‏.‏
السنة الأولى من خلافة المستعلي أحمد  وهي سنة ثمان وثمانين وأربعمائة‏.‏
فيها اصطلح أهل السنة والرافضة ببغداد وعملوا الدعوات ودخل بعضهم إلى بعض‏.‏
وفيها قتل تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان محمد بن داود بن ميكائيل بن سلجوق بن دقماق أبو سعيد السلجوقي أخو السلطان ملكشاه‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وست أصابع‏.‏  مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا واثنتا عشرة إصبعًا‏.‏  وهي سنة تسع وثمانين وأربعمائة‏.‏
فيها حكم المنجمون بأن يكون طوفان مثل طوفان نوح عليه السلام‏.‏
وفيها ورد كتاب المستعلي صاحب مصر وكتاب وزيره الأفضل أمير الجيوش إلى رضوان بن تتش السلجوقي بالدخول في الطاعة‏.‏
فأجاب وخطب للمستعلي صاحب الترجمة‏.‏
وفيها خرج العسكر المصري إلى الساحل ونزل على صور وفتحوها عنوة وأخذوا منها أموالا عظيمة وكان بها رجل يعرف بالكتيلة فأسر وحمل إلى مصر‏.‏
وفيها سار الأفضل أمير الجيوش المذكور من مصر بالعساكر إلى القدس وكان به سكمان بن أرتق وأخوه إيلغازي فحصر البلد ونصب عليها المجانيق وقاتلهم أربعين يومًا وأرسل أهل القدس فواطؤوه على فتح الباب وطلبوا منه الأمان فأمنهم وفتحوا له الباب وخرج سكمان من باب آخر ومضى إلى الرها ومضى أخوه إيلغازي إلى بغداد‏.‏  وهما أول ملوك الارتقية ظهورًا‏.‏
وفيها تواترت الأخبار بخروج ملك الروم من بلاد الروم بقصد البلاد الشامية‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وسبع عشرة إصبعًا‏.‏  مبلغ الزيادة ثلاث عشرة ذراعًا وسبع عشرة إصبعًا‏.‏
السنة الثالثة من خلافة المستعلي أحمد وهي سنة تسعين وأربعمائة‏.‏
فيها أخذت الفرنج نيقية وهي أول بلد أخذوه ثم أفتحوا حصون الدورب شيئًا بعد شيء كما ذكرناه مفصلا في أول ترجمة المستعلي هذا‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ السنة الرابعة من خلافة المستعلي أحمد وهي سنة إحدى وتسعين وأربعمائة‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وثماني عشرة إصبعًا‏.‏  مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وست عشرة إصبعًا‏.‏
السنة الخامسة من خلافة المستعلي أحمد وهي سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة‏.‏
فيها استولى الفرنج على بيت المقدس في يوم الجمعة ثالث عشر شعبان حسب ما ذكرناه في وفيها توفي السلطان إبراهيم بن مسعود بن محمود بن سبكتكين صاحب عزنة وغيرها من بلاد الهند‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ست أذرع واثنتان وعشرون إصبعًا‏.‏  مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وأربع عشرة إصبعًا‏.‏
السنة السادسة من خلافة المستعلي أحمد وهي سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم عشر أذرع وست عشرة إصبعًا‏.‏  مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وخمس عشرة إصبعًا‏.‏
السنة السابعة من خلافة المستعلي أحمد وهي سنة أربع وتسعين وأربعمائة‏.‏
أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ست أذرع وثماني عشرة إصبعًا‏.‏  مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وسبع أصابع‏.‏
السنة التي حكم في أولها المستعلي أحمد ثم الآمر ولده‏.‏
فيها جلس الخليفة المستظهر بالله أحمد العباسي لمحمد شاه وسنجر شاه ابني ملكشاه جلوسًا عامًا ودخلا عليه وقبلا الأرض له فأدناهما وأفاض عليهما الخلع وتوجهما وطوقهما وسورهما وقرأ الخليفة‏:‏ ‏"‏ واعتصموا بحبل الله جميعًا‏.‏
وفيها كانت وفاة صاحب الترجمة المستعلي بالله أحمد كما تقدم ذكره في ترجمته‏.‏
الماء القديم سبع أذرع وثماني أصابع‏.‏  مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وثلاث عشرة إصبعًا‏.‏

*******************************

وقال المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثاني ( 70 من 167 ) : "  فلما قتل أقيم من بعده أبنه‏:‏ الفائز بنصر الله أبو القاسم أقامه في الخلافة بعد مقتل أبيه الوزير عباس وعمره خمس سنين فقدم طلائع بن رزيك والي الأشمونين بجموعه إلى القاهرة ففر عباس واستولى طلائع على الوزارة وتلقب بالصالح وقام بأمر الدولة إلى أن مات الفائز لثلاث عشرة بقيت من رجب سنة خمس وخمسين عن إحدى عشرة سنة وستة أشهر ويومين منها في الخلافة ست وستين وخمسة أشهر وأيام لي ير فيها خيرًا فإنه لما أخرج ليقام خليفة رأى أعمامه قتلى وسمع الصراخ فاختل عقله وصار يصرخ حتى مات‏.‏

 

This site was last updated 11/17/13