Encyclopedia - أنسكلوبيديا 

  موسوعة تاريخ أقباط مصر - coptic history

بقلم عزت اندراوس

الخليفة التاسع لبنى أمية : أبو خالد / يزيد بن عبد الملك

 هناك فى صفحة خاصة أسمها صفحة الفهرس تفاصيل كاملة لباقى الموضوعات

أنقر هنا على دليل صفحات الفهارس فى الموقع http://www.coptichistory.org/new_page_1994.htm

Home
Up
سنة 101 خلافة يزيد
سنة اثنتين ومائة
سنة ثلاث ومائة
سنة أربع ومائة
سنة خمس ومائة

الخليفة التاسع لبنى أمية : أبو خالد / يزيد بن عبد الملك

وفي 105 هـ  توفي الخليفة يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم أمير المؤمنين أبو خالد القرشي الأموي الدمشقي‏ .‏ ولي بعد ابن عمه الخليفة المتوفى عمر بن عبد العزيز بن مروان بعهد من أخيه سليمان معقود في تولية عمر بن عبد العزيز وكان ذلك‏ بحيلة من سليمان فإن سليمان كان عهد لعمر بن عبد العزيز بالخلافة فخاف من إخوته ومن الناس فأخفى ذلك وبايع الناس لما هو مكتتب لم ‏!‏ فقالوا‏:‏ نبايع على أن يكون فيه ولد عبد الملك فبايعوا فإذا فيه عمر بن عبد العزيز ثم من بعده ليزيد وهشام فتمت البيعة وأم يزيد هذا عاتكة بنت يزيد بن معاوية ومولده سنة إحدى وسبعين أو اثنتين وسبعين‏ , ودام في الخلافة إلى أن مات في الخامس والعشرين من شعبان بسواد الأردن ‏.‏, وكانت خلافته أربع سنين وشهرًا وتولى الخلافة بعده أخوه هشام بن عبد الملك‏.‏
وكان سبب موت يزيد بن عبد الملك أنه كان يحب جارية من جواريه يقال لها حبابة وكانت مغنية وكان يزيد صاحب لهو وطرب‏
فلما ولي يزيد الخلافة بعد عمر بن عبد العزيز أقام يسير بسيرة عمر أربعين يومًا وترك اللهو والشرب فقالت حبابة المذكورة لخصي ليزيد وهو صاحب أمره‏:‏ ويحك‏!‏ قربني منه حيث يسمع كلامي ولك عشرة آلاف درهم ففعل‏.‏
فلما مر بها يزيد أنشدت‏:‏ الطويل بكيت الصبا جهدي فمن شاء لامني ومن شاء آسى في البكاء وأسعدا وأبياتًا أخر بالألحان والشعر للأحوص ‏.‏
فلما سمعها يزيد قال‏:‏ ويحك يا خصي‏!‏ قل لصاحب الشرطة يصلي بالناس‏.‏
ودخل إليها وعاد إلى انهماكه ولذاته‏.‏
فلما كان بعض الليالي شرقت حبابة
وبنى لها قصراً وفرشة وكانا يأكلان عنباً وإذا به يرميها بحبة عنب وهى تضحك فشرقت وماتت فحزن عليها يزيد حزنًا عظيمًا‏ فمكث أيامأ يقبلها ويرشفها وهى ميتة حتى أنتنت وجيف فأمر بدفنها فلما دفنها أقام أيامأ عندها على قبرها هائماً دفنها خمسة أيام فلم يطق ذلك فنبشها وأخرجها من القبر وجعل يقلبها ويبكي فقوي عليه الحزن حتى قتله بعد سبعة عشر يومًا‏.

أبن كثير والمسعودى ينبهران بقصة حب الخليفة يزيد لجاريته حبابه

ويروي ابن كثير في كتابه البداية والنهاية (مجلد 5 جزء 9) قصة وفاة الخليفة يزيد، فقال: كان يزيد يحب حظية جميلة جداً من حظاياه اسمها حبَّابة، وكان قد اشتراها في زمن أخيه بأربعة آلاف دينار من عثمان بن سهيل بن حنيف, فقال له أخوه سليمان: لقد هممتُ أن أحجر على يديك , فباعها, فلما أفضت إليه الخلافة قالت امرأته سعدة يوماً: يا أمير المؤمنين، هل بقي في نفسك من أمر الدنيا شيء؟ قال: نعم، حبابة , فبعثت امرأته فاشترتها له ولبّستها وصنَّعتها وأجلستها من وراء الستارة، وقالت له أيضاً: يا أمير المؤمنين، هل بقي في نفسك من أمر الدنيا شيء؟ قال: أَوَمَا أخبرتُك؟ فقالت: هذه حبابة - وأبرزتها وأخلَتْه بها وتركته وإياها - فحظيت الجارية عنده وكذلك زوجته أيضاً, فقال يوماً: أشتهي أن أخلو بحبابة في قصر مدة من الدهر، لا يكون عندنا أحد , ففعل ذلك، وجمع إليه في قصره ذلك حبابة، وليس عنده فيه أحد، وقد فرش له بأنواع الفرش والبسط الهائلة، والنعمة الكثيرة السابغة, فبينما هو معها في ذلك القصر، على أسرّ حال وأنعم بال، وبين أيديهما عنب يأكلان منه، إذ رماها بحبة عنب وهي تضحك، فشرقت بها وماتت، فمكث أياماً يقبّلها ويرشفها وهي ميتة حتى أنتنت وجيفت فأمر بدفنها, فلما دفنها أقام أياماً عندها على قبرها هائماً، ثم رجع، فما خرج من منزله حتى خرج بنعشه ,

ويذكر المسعودي نفس الرواية في مروج الذهب ج3 : فيقول : " والخليفة يزيد بن عبد الملك لما تولى الخلافة دخل عليه أربعون رجلاً من مشايخ دمشق وحلفوا له : أنه ليس على الخلفاء حساب ولا عقاب فى ألاخرة فخدعوه بذلك فإنخدع لهم , وكان طائفة من الشوام يعتقدون ذلك , يقولون أنه لن يصفوا لأحد من الملوك يوم كامل من الدهر وإنى أريد أن أكذبهم فى ذلك , ثم أقبل فى لذاته وأختلى مع حبابه (جارية) وأمر أن يحجب عن سمعه وبصره كل ما يكره , وبينما هو فى تلك الحالة تناولت حبابة حبة رمان وهى تضحك فغصت فماتت , فإختل عقل يزيد وتكدر عيشه ووجد عليها وجداً شديداً , وتركها أياماً لم يدفنها بل يقبلها ويترشفها حتى أنتت وجافت , فأمر بدفنها , ثم نبشت من قبرها .

 

الجزء التالى من تاريخ كتاب البداية والنهاية لــ أبن كثير الجزء التاسع ( 123 من 239 ) وضعنا له فقط رؤوس مواضيع .

من هو يزيد بن عبد الملك ؟

أبو خالد القرشي الأموي، أمير المؤمنين، وأمه عاتكة بنت يزيد بن معاوية، قيل‏:‏ إنها دفنت بقبر عاتكة فنسبت المحلة إليها، والله أعلم‏.‏

بويع له بالخلافة بعد عمر بن عبد العزيز في رجب من سنة إحدى ومائة بعهد من أخيه سليمان، أن يكون الخليفة بعد عمر بن عبد العزيز لخمس بقين من رجب‏.‏

قال محمد بن يحيى الذهلي‏:‏ حدثنا كثير بن هشام، ثنا جعفر بن برقان، حدثني الزهري، قال‏:‏ كان لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم، في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، فلما ولي الخلافة معاوية ورث المسلم من الكافر، ولم يورث الكافر من المسلم، وأخذ بذلك الخلفاء من بعده، فلما قام عمر بن عبد العزيز راجع السُنَّة الأولى، وتبعه في ذلك يزيد بن عبد الملك، فلما قام هشام أخذ بسنة الخلفاء - يعني أنه ورث المسلم من الكافر -

‏(‏ج/ص‏:‏ 9/259‏)‏

وقال الوليد بن مسلم‏:‏ عن ابن جابر، قال‏:‏ بينما نحن عند مكحول إذ أقبل يزيد بن عبد الملك فهممنا أن نوسع له، فقال مكحول‏:‏ دعوه يجلس حيث انتهى به المجلس يتعلم التواضع‏.‏

وقد كان يزيد هذا يكثر من مجالسة العلماء قبل أن يلي الخلافة، فلما ولي عزم على أن يتأسى بعمر بن عبد العزيز، فما تركه قرناء السوء، وحسنوا له الظلم‏.‏

قال حرملة‏:‏ عن ابن وهب، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، قال‏:‏ لما ولي يزيد بن عبد الملك قال‏:‏ سيروا بسيرة عمر، فمكث كذلك أربعين ليلة، فأتي بأربعين شيخاً فشهدوا له أنه ما على الخلفاء من حساب ولا عذاب‏.‏

وقد اتهمه بعضهم في الدين وليس بصحيح، إنما ذاك ولده الوليد بن يزيد، كما سيأتي، أما هذا فما كان به بأس‏.‏

وقد كتب إليه عمر بن عبد العزيز‏:‏ أما بعد فإني لا أراني إلا ملماً بي، وما أرى الأمر إلا سيفضي إليك، فالله الله في أمة محمد، فإنك عما قليل ميت فتدع الدنيا إلى من لا يعذرك، والسلام‏.‏

وكتب يزيد بن عبد الملك إلى أخيه هشام‏:‏ أما بعد فإن أمير المؤمنين قد بلغه أنك استبطأت حياته وتمنيت وفاته ورمت الخلافة، وكتب في آخره‏:‏

تمنى رجال أن أموت وإن أمت * فتلك سبيل لست فيها بأوحد

وقد علموا لو ينفع العلم عندهم * متى مت ما الباغي علي بمخلد

منيته تجري لوقت وحتفه * يصادفه يوماً على غير موعد

فقل للذي يبقى خلاف الذي مضى * تهيأ لأخرى مثلها وكأن قد

فكتب إليه هشام‏:‏ جعل الله يومي قبل يومك، وولدي قبل ولدك، فلا خير في العيش بعدك‏.‏

ولقد كان يزيد هذا يحب حظية من حظاياه يقال لها‏:‏ حبابة - بتشديد الباء الأولى، والصحيح تخفيفها - واسمها عالية، وكانت جميلةً جداً، وكان قد اشتراها في زمن أخيه بأربعة آلاف دينار، من عثمان بن سهل بن حنيف، فقال له أخوه سليمان‏:‏ لقد هممت أحجر على يديك، فباعها، فلما أفضت إليه الخلافة قالت له امرأته سعدة يوماً‏:‏ يا أمير المؤمنين، هل بقي في نفسك من أمر الدنيا شيء‏؟‏ قال‏:‏ نعم، حبابة، فبعثت امرأته فاشترتها له، ولبستها وصنعتها وأجلستها من وراء الستارة، وقالت له أيضاً‏:‏ يا أمير المؤمنين هل بقي في نفسك من أمر الدنيا شيء‏؟‏ قال‏:‏ أو ما أخبرتك‏؟‏ فقالت‏:‏ هذه حبابة - وأبرزتها له وأخلته بها وتركته وإياها - فحظيت الجارية عنده، وكذلك زوجته أيضاً، فقال يوماً‏:‏ أشتهي أن أخلو بحبابة في قصر مدة من الدهر، لا يكون عندنا أحد، ففعل ذلك‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 9/260‏)‏

وجمع إليه في قصره ذلك حبابة، وليس عنده في أحد، وقد فرش له بأنواع الفرش والبسط الهائلة، والنعمة الكثيرة السابغة فبينما هو معها في ذلك القصر على أسر حال، وأنعم بال، وبين يديهما عنب يأكلان منه، إذ رماها بحبة عنب وهي تضحك فشرقت بها فماتت، فمكث أياماً يقبلها ويرشفها وهي ميتة، حتى أنتنت وجيفت، فأمر بدفنها، فلما دفنها أقام أياماً عندها على قبرها هائماً، ثم رجع إلى المنزل ثم عاد إلى قبرها فوقف عليه وهو يقول‏:‏

فإن تسل عنك النفس أو تدع الصبا * فباليأس تسلو عنك لا بالتجلد

وكل خليل زارني فهو قاتل * من أجلك هذا هامة اليوم أو غد

ثم رجع فما خرج من منزله حتى خرج بنعشه وكان مرضه بالسل‏.‏ وذلك السواد سواد الأردن يوم الجمعة لخمس بقين من شعبان من هذه السنة - أعني سنة خمس ومائة -

وكانت خلافته أربع سنين وشهراً على المشهور، وقيل‏:‏ أقل من ذلك، وكان عمره ثلاثاً وثلاثين سنة، وقيل‏:‏ خمساً، وقيل‏:‏ ستاً، وقيل‏:‏ ثمانياً، وقيل‏:‏ تسعاً وثلاثين، وقيل‏:‏ أنه بلغ الأربعين، فالله أعلم‏.‏

وكان طويلاً جسيماً، أبيض مدور الوجه، أفقم الفم لم يشب‏.‏

وقيل‏:‏ أنه مات بالجولان، وقيل‏:‏ بحوران، وصلى عليه ابنه الوليد بن يزيد، وعمره خمس عشرة سنة، وقيل‏:‏ بل صلى عليه أخوه هشام بن عبد الملك، وهو الخليفة بعده، وحمل على أعناق الرجال حتى دفن بين باب الجابية وباب الصغير بدمشق، وكان قد عهد بالأمر من بعده لأخيه هشام، ومن بعده لولده الوليد بن يزيد، فبايع الناس من بعده هشاماً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/261‏)‏

 

 

*******************************************************************************

الجزء التالى من تاريخ كتاب البداية والنهاية لــ أبن كثير الجزء التاسع ( 123 من 239 ) وضعنا له فقط رؤوس مواضيع .

خلافة يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان

وهو الملقب‏:‏ بالناقص لنقصه الناس من أعطياتهم ما كان زاده الوليد بن يزيد في أعطياتهم، وهي عشرة عشرة، ورده إياهم إلى ما كانوا عليه في زمن هشام‏.‏

ويقال‏:‏ إن أول من لقبه بذلك مروان بن محمد‏.‏

بويع له بالخلافة بعد مقتل الوليد بن يزيد، وذلك ليلة الجمعة لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة من هذه السنة - حتى سنة ست وعشرين ومائة - وكان فيه صلاح وورع قبل ذلك، فأول ما عمل انتقاصه من أرزاق الجند ما كان الوليد زادهم، وذلك في كل سنة عشرة عشرة، فسمي الناقص لذلك‏.‏

ويقال في المثل الأشج والناقص أعدل خلفاء بني مروان - يعني‏:‏ عمر بن عبد العزيز وهذا - ولكن لم تطل أيامه، فإنه توفي من آخر هذه السنة، واضطربت عليه الأمور، وانتشرت الفتن، واختلفت كلمة بني مروان‏.‏

فنهض سليمان بن هشام، وكان معتقلاً في سجن الوليد بعمان، فاستحوز على أموالها وحواصلها، وأقبل إلى دمشق، فجعل يلعن الوليد ويعيبه ويرميه بالكفر، فأكرمه يزيد ورد عليه أمواله التي كان أخذها من الوليد، وتزوج يزيد أخت سليمان، وهي أم هشام بنت هشام‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 10/14‏)‏

ونهض أهل حمص إلى دار العباس بن الوليد التي عندهم فهدموها، وحبسوا أهله وبنيه، وهرب هو من حمص، فلحق بيزيد بن الوليد إلى دمشق، وأظهر أهل حمص الأخذ بدم الوليد بن يزيد، وأغلقوا أبواب البلد، وأقاموا النوائح والبواكي على الوليد، وكاتبوا الأجناد في طلب الأخذ بالثأر، فأجابهم إلى ذلك طائفة كبيرة منهم، على أن يكون الحكم بن الوليد بن يزيد الذي أخذ له العهد هو الخليفة، وخلعوا نائبهم، وهو مروان بن عبد الله بن عبد الملك بن مروان، ثم قتلوه وقتلوا ابنه وأمروا عليهم معاوية بن يزيد بن حصين‏.‏

فلما انتهى خبرهم إلى يزيد بن الوليد كتب إليهم كتاباً مع يعقوب بن هانئ ومضمون الكتاب‏:‏ أنه يدعوا إلى أن يكون الأمر شورى‏.‏

فقال عمرو بن قيس‏:‏ فإذا كان الأمر كذلك فقد رضينا بولي عهدنا الحكم بن الوليد، فأخذ يعقوب بلحيته، وقال‏:‏ ويحك ‏!‏ و كان هذا الذي تدعو إليه يتيماً تحت حجرك لم يحل لك أن تدفع إليه ماله فكيف أمر الأمة، فوثب أهل حمص على رسل يزيد بن الوليد، فطردوهم عنهم وأخرجوهم من بين أظهرهم، وقال لهم أبو محمد السفياني‏:‏ لو قدمت دمشق لم يختلف علي منهم اثنان، فركبوا معه وساروا نحو دمشق، وقد أمروا عليهم السفياني، فتلقاهم سليمان بن هشام في جيش كثيف قد جهزهم معه يزيد، وجهز أيضاً عبد العزيز بن الوليد في ثلاثة آلاف يكونون عند ثنية العقاب، وجهز هشام بن مصاد المزي في ألف وخمسمائة ليكونوا على عقبة السلمية، فخرج أهل حمص، فساروا وتركوا جيش سليمان ابن هشام ذات اليسار، وتعدوه فلما سمع بهم سليمان ساق في طلبهم فلحقهم عند السليمانية، فجعلوا الزيتون عن إيمانهم والجبل عن شمائلهم، والحيات من خلفهم، ولم يبق تخلص إليهم إلا من جهة واحدة، فاقتتلوا هنالك في قبالة الحر قتالاً شديداً، فقتل طائفة كبيرة من الفريقين، فبينما هم كذلك إذ جاء عبد العزيز بن الوليد بمن معه، فحمل على أهل حمص، فاخترق جيشهم حتى ركب التل الذي في وسطهم، وكانت الهزيمة، فهرب أهل حمص وتفرقوا فأتبعهم الناس يقتلون ويأسرون ثم تنادوا بالكف عنهم، على أن يبايعوا ليزيد بن الوليد وأسروا منهم جماعة، منهم أبو محمد السفياني، ويزيد بن خالد بن معاوية، ثم ارتحل سليمان وعبد العزيز فنزلا عذراء، ومعهم الجيوش وأشراف الناس وأشراف أهل حمص من الأساري، ومن استجاب من غير أسر، بعد ما قتل منهم ثلاثمائة نفس، فدخلوا بهم على يزيد بن الوليد، فأقبل عليهم، وأحسن إليهم، وصفح عنهم، وأطلق الأعطيات لهم، لاسيما لأشرافهم وولى عليهم الذي اختاروه وهو معاوية بن يزيد بن الحصين، وطابت عليه أنفسهم، وأقاموا عنده في دمشق سامعين مطيعين له‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 10/15‏)‏

وفيها‏:‏ بايع أهل فلسطين يزيد بن سليمان بن عبد الملك، وذلك أن بني سليمان كانت لهم أملاك هناك، وكانوا يتركونها يبدلونها لهم، وكان أهل فلسطين يحبون مجاورتهم، فلما قتل الوليد بن يزيد كتب سعيد بن روح بن زنباغ - وكان رئيس تلك الناحية - إلى يزيد بن سليمان بن عبد الملك يدعوهم إلى المبايعة له فأجابوه إلى ذلك، فلما بلغ أهل الأردن خبرهم بايعوا أيضاً محمد بن عبد الملك بن مروان وأمروه عليهم، فلما انتهى خبرهم إلى يزيد بن الوليد أمير المؤمنين بعث إليهم الجيوش مع سليمان بن هشام في الدماشقة وأهل حمص، الذين كانوا مع السفياني فصالحهم أهل الأردن أولاً ورجعوا إلى الطاعة، وكذلك أهل فلسطين، وكتب يزيد بن الوليد ولاية الإمرة بالرملة وتلك النواحي إلى أخيه إبراهيم بن الوليد، واستقرت الممالك هنالك، وقد خطب أمير المؤمنين يزيد بن الوليد الناس بدمشق فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال‏:‏

أما بعد أيها الناس أما والله ما خرجت أشراً ولا بطراً، ولا حرصاً على الدنيا ولا رغبة في الملك، وما بي إطراء نفسي إني لظلوم لنفسي، إن لم يرحمني ربي فإني هالك، ولكني خرجت غضباً لله ورسوله ولدينه، وداعياً إلى الله وكتابه وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم لما هدمت معالم الدين، وأطفئ نور أهل التقوى، وظهر الجبار العنيد المستحل لكل حرمة، والراكب كل بدعة، مع أنه والله ما كان مصدقاً بالكتاب، ولا مؤمناً بيوم الحساب، وإنه لابن عمي في النسب، وكفوي بالحسب، فلما رأيت ذلك استخرت الله في أمره، وسألته أن لا يكلني إلى نفسي، ودعوت إلى ذلك من أجابني من أهل ولايتي، وسعيت فيه حتى أراح الله منه العباد والبلاد بحول الله وقوته لا بحولي ولا بقوتي‏.‏

أيها الناس‏:‏ إن لكم علي أن لا أضع حجراً على حجر، ولا لبنة على لبنة، ولا أكرى نهراً، و لا أكثر مالاً ولا أعطية زوجة، ولا ولداً ولا أنقل مالاً من بلد إلى بلد حتى أسد ثغر ذلك البلد وخصاصة أهله بما يغنيهم، فإن فضل عن ذلك فضل نقلته إلى البلد الذي يليه ممن هو أحوج إليه، ولا أجمركم في ثغوركم فأفتنكم وأفتن أهليكم، ولا أغلق بابي دونكم، فيأكل قويكم ضعيفكم ولا أحمل على أهل جزيتكم ما يجليهم عن بلادهم، ويقطع سبلهم وإن لكم عندي أعطياتكم في كل سنة وأرزاقكم في كل شهر حتى تستدر المعيشة بين المسلمين، فيكون أقصاهم كأدناهم، فإن أنا وفيت لكم بما قلت فعليكم السمع والطاعة وحسن المؤازرة، وإن أنا لم أوف لكم فلكم أن تخلعوني وإلا أن تستتيبوني فإن تبت قبلتم مني، وإن علمتم أحداً من أهل الصلاح والدين يعطيكم من نفسه ما مثل ما أعطيكم، فأردتم أن تبايعوه، فأنا أول من يبايعه، ويدخل في طاعته‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 10/16‏)‏

أيها الناس ‏!‏ إنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إنما الطاعة طاعة الله فمن أطاع الله فأطيعوه ما أطاع الله، فإذا عصى أو دعا إلى معصية فهو أهل أن يعصى ولا يطاع، بل يقتل ويهان، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ عزل يزيد ين الوليد يوسف بن عمر عن إمرة العراق، لما ظهر منه من الحنق على اليمانية، وهم قوم خالد بن عبد الله القسري، حتى قتل الوليد بن يزيد، وكان قد سجن غالب من ببلاده منهم، وجعل الأرصاد على الثغور خوفاً من جند الخليفة، فعزله عنها أمير المؤمنين يزيد بن الوليد، وولى عليها منصور بن جمهور مع بلاد السند وسجستان وخراسان‏.‏

وقد كان منصور بن جمهور أعرابياً جلفاً وكان يدين بمذهب الغيلانية القدرية، ولكن كانت له آثار حسنة، وعناء كثير في مقتل الوليد بن يزيد، فحظي بذلك عند يزيد بن الوليد‏.‏

ويقال‏:‏ إنه لما فرغ الناس من الوليد ذهب من فوره إلى العراق فأخذ البيعة من أهلها إلى يزيد، وقرر بالأقاليم نواباً وعمالاً وكر راجعاً إلى دمشق في آخر رمضان، فلذلك ولاه الخليفة ما ولاه، والله أعلم‏.‏

وأما يوسف بن عمر فإنه فر من العراق فلحق ببلاد البلقاء، فبعث إليه أمير المؤمنين يزيد فأحضره إليه، فلما وقف بين يديه أخذ بلحيته - وكان كبير اللحية جداً، ربما كانت تجاوز سرته وكان قصير القامة - فوبخه وأنبه ثم سجنه وأمر باستخلاص الحقوق منه‏.‏

ولما انتهى منصور بن جمهور إلى العراق قرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين إليهم في كيفية مقتل الوليد، وأن الله أخذه أخذ عزيز مقتدر، وأنه قد ولى عليهم منصور بن جمهور لما يعلم من شجاعته ومعرفته بالحرب، فبايع أهل العراق ليزيد بن الوليد، وكذلك أهل السند وسجستان‏.‏

وأما نصر بن سيار نائب خراسان فإنه امتنع من السمع والطاعة لمنصور بن جمهور، وأبى أن ينقاد لأوامره، وقد كان نصر هذا جهز هدايا كبيرة للوليد بن يزيد فاستمرت له‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ كتب مروان الملقب‏:‏ بالحمار كتاباً إلى عمر بن يزيد أخي الوليد بن يزيد، يحثه على القيام بطلب دم أخيه الوليد، وكان مروان يومئذ أميراً على أذربيجان وأرمينية، ثم إن يزيد بن الوليد عزل منصور بن جمهور عن ولاية العراق وولى عليها عبد الله بن عمر بن عبد العزيز، وقال له‏:‏ إن أهل العراق يحبون أباك فقد وليتكها‏.‏

وذلك في شوال، وكتب له إلى أمراء الشام الذين بالعراق يوصيهم به خشية أن يمتنع منصور بن جمهور من تسليم البلاد إليه، فسلم إليه وأطاع وسلم‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 10/17‏)‏

وكتب الخليفة إلى نصر بن سيار باستمراره بولاية خراسان مستقلاً بها، فخرج عليه رجل يقال له‏:‏ الكرماني، لأنه ولد بكرمان، وهو‏:‏ أبو علي جديع بن علي بن شبيب المغني، واتبعه خلق كثير بحيث إنه كان يشهد الجمعة في نحو من ألف وخمسمائة، وكان يسلم على نصر بن سيار ولا يجلس عنده، فتحير نصر بن سيار وأمراؤه فيما يصنع به، فاتفق رأيهم بعد جهد على سجنه، فسجن قريباً من شهر‏.‏

ثم أطلقه فاجتمع إليه ناس كثير، وجم غفير، وركبوا معه، فبعث إليهم نصر من قاتلهم فقتلهم وقهرهم وكسرهم واستخف جماعات من أهل خراسان بنصر بن سيار وتلاشوا أمره وحرمته، وألحوا عليه في أعطياتهم وأسمعوه غليظ ما يكره وهو على المنبر، بسفارة سلم بن أحوز أدى إليه ذلك، وخرجت الباعة من المسجد الجامع وهو يخطب، وانفض كثير من الناس عنه‏.‏

فقال لهم نصر فيما قال‏:‏ والله لقد نشرتكم وطويتكم وطويتكم ونشرتكم فما عندي عشرة منكم على دين، فاتقوا الله فوالله لئن اختلف فيكم سيفان ليتمنين الرجل منكم أن ينخلع من أهله وماله وولده، ولم يكن رآها، ثم تمثل بقول النابغة‏:‏

فإن يغلب شقاؤكم عليكم * فإني في صلاحكم سعيت

وقال الحارث بن عبد الله بن الحشرج بن الورد بن المغيرة الجعد‏:‏

أبيت أرعى النجوم مرتفقاً * إذا استقلت نحوي أوائلها

من فتنة أصبحت مجللة * قد عم أهل الصلاة شاملها

من بخراسان والعراق ومن * بالشام كل شجاه شاغلها

يمشي السفيه الذي يعنف بالـ * ـجهل سواء فيها وعاقلها

فالناس منها في لون مظلمة * دهماء ملتجة غياطلها

والناس في كربة يكاد لها * تنبذ أولادها حواملها

يغدون منها في كل مبهمة * عمياء تمنى لهم غوائلها

لا ينظر الناس من عواقبها * إلا التي لا يبين قائلها

كرغوة البكر أو كصيحة حبـ * ـلى طرقت حولها قوابلها

فجاء فينا تزري بوجهته * فيها خطوب حمر زلازلها

وفي هذه السنة‏:‏ أخذ الخليفة البيعة من الأمراء وغيرهم بولاية العهد من بعده لأخيه إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك، ثم من بعد إبراهيم لعبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك بن مروان، وذلك بسبب مرضه الذي مات فيه‏.‏

وكان ذلك في شهر ذي الحجة منها، وقد حرضه على ذلك جماعة من الأمراء والأكابر والوزراء‏.‏

وفيها‏:‏ عزل يزيد عن إمرة الحجاز يوسف بن محمد الثقفي وولى عليها عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، فقدمها في أواخر ذي القعدة منها‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 10/18‏)‏

وفيها‏:‏ أظهر مروان الحمار الخلاف ليزيد بن الوليد، وخرج من بلاد أرمينية يظهر أنه يطلب بدم الوليد بن يزيد، فلما وصل إلى حران أظهر الموافقة، وبايع لأمير المؤمنين يزيد بن الوليد‏.‏

وفيها‏:‏ أرسل إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، أبا هاشم بكر بن ماهان إلى أرض خراسان، فاجتمع بجماعة من أهل خراسان بمرو، فقرأ عليهم كتاب إبراهيم بن محمد الإمام إليه وإليهم، ووصيته، فتلقوا ذلك بالقبول، وأرسلوا معه ما كان عندهم من النفقات‏.‏

وفي سلخ ذي القعدة‏:‏ وقيل‏:‏ في سلخ ذي الحجة، وقيل‏:‏ لعشر مضين منه، وقيل‏:‏ بعد الأضحى منها كان وفاة أمير المؤمنين‏.‏

يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان

هو‏:‏ يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، أبو خالد الأموي، أمير المؤمنين‏.‏

بويع بالخلافة أول ما بويع بها في قرية المزة، من قرى دمشق، ثم دخل دمشق فغلب عليها، ثم أرسل الجيوش إلى ابن عمه الوليد بن يزيد فقتله، واستحوذ على الخلافة في أواخر جمادى الآخرة من هذه السنة، وكان يلقب‏:‏ بالناقص لنقصه الناس العشرات التي زادهم إياها الوليد بن يزيد‏.‏

وقيل‏:‏ إنما سماه بذلك مروان الحمار، وكان يقول‏:‏ الناقص بن اليد، وأمه شاهفرند بنت فيروز بن يزدجرد بن كسرى، كسروية‏.‏

وقال ابن جرير‏:‏ وأمه شاه آفريد بنت فيروز بن يزدجرد بن شهريار بن كسرى، وهو القائل‏:‏

أنا ابن كسرى وأبي مروان * وقيصر جدي وجدي خاقان

وإنما قال ذلك لأن جده فيروز، وأم أمه بنت قيصر، وأمه شيرويه وهي بنت خاقان ملك الترك، وكانت قد سباها قتيبة بن مسلم، هي وأخت لها فبعثهما إلى الحجاج، فأرسل بهذه إلى الوليد واستبقى عنده الأخرى، فولدت هذه الوليد بن يزيد الناقص هذا، وهذه أخذها الحجاج فكانت عنده بالعراق‏.‏

وكان مولده في سنة تسعين، وقيل‏:‏ في سنة ست وتسعين‏.‏

وقد روى عنه الأوزاعي مسألة السلم‏.‏

وقد ذكرنا كيفية ولايته فيما سلف في هذه السنة، وأنه كان عادلاً ديِّناً محباً للخير مبغضاً للشر، قاصداً للحق‏.‏

وقد خرج يوم عيد الفطر من هذه السنة إلى صلاة العيد بين صفين من الخيالة والسيوف مسللة عن يمينه وشماله، ورجع من المصلى إلى الخضراء كذلك‏.‏

كان رجلاً صالحاً، يقال في المثل‏:‏ الأشج والناقص أعدلا بني مروان، والمراد عمر بن عبد العزيز وهذا‏.‏

وقد قال أبو بكر بن أبي الدنيا‏:‏ حدثني إبراهيم بن محمد المروزي، عن أبي عثمان الليثي، قال‏:‏ قال يزيد بن الوليد الناقص‏:‏ يا بني أمية إياكم والغناء فإنه ينقص الحياء ويزيد في الشهوة ويهدم المروءة، وإنه لينوب عن الخمر ويفعل ما يفعل المسكر، فإن كنتم لابد فاعلين فجنبوه النساء فإنه داعية الزنا‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 10/19‏)‏

وقال ابن عبد الحكيم‏:‏ عن الشافعي لما ولي يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان الذي يقال له‏:‏ الناقص، دعا الناس إلى القدر، وحملهم عليه، وقرب غيلان‏.‏ قاله ابن عساكر‏.‏

قال‏:‏ ولعله قرب أصحاب غيلان، لأن غيلان قتله هشام بن عبد الملك‏.‏

وقال محمد بن المبارك‏:‏ آخر ما تكلم به يزيد بن الوليد الناقص‏:‏ واحزناه واشقاآه‏.‏

وكان نقش خاتمه‏:‏ العظمة لله‏.‏

وكانت وفاته بالخضراء من طاعون أصابه، وذلك يوم السبت لسبع مضين من ذي الحجة، وقيل‏:‏ يوم الأضحى منه، وقيل‏:‏ بعده بأيام، وقيل‏:‏ لعشر بقين منه، وقيل‏:‏ في سلخه، وقيل‏:‏ في سلخ ذي القعدة من هذه السنة‏.‏

وأكثر ما قيل في عمره‏:‏ ست وأربعون سنة، وقيل‏:‏ ثلاثون سنة، وقيل‏:‏ غير ذلك، فالله أعلم‏.‏

وكانت مدة ولايته ستة أشهر على الأشهر، وقيل‏:‏ خمسة أشهر وأيام‏.‏

وصلى عليه أخوه إبراهيم بن الوليد، وهو ولي العهد من بعده - رحمه الله -‏.‏

وذكر سعيد بن كثير بن عفير أنه دفن بين باب الجابية وباب الصغير، وقيل‏:‏ إنه دفن بباب الفراديس‏.‏

وكان أسمر نحيفاً حسن الجسم حسن الوجه‏.‏

وقال علي بن محمد المديني‏:‏ كان يزيد أسمر طويلاً صغير الرأس، بوجهه خال، وكان جميلاً، وفي فمه بعض السعة، وليس بالمفرط‏.‏

وحج بالناس فيها عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، وهو نائب الحجاز، وأخوه عبد الله نائب العراق، ونصر بن سيار على نيابة خراسان، والله سبحانه أعلم‏.‏

This site was last updated 06/21/11